أقسام الحسد
قسم العلماء الحسد إلى عدد من الأنواع ،
ومنهم ابن القيم
الذي قسمه إلى ثلاثة أنواع :
1- حسد يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما؛
لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في
قلبه شيئًا من ذلك،
ولا يعاجل أخاه إلا بما
يحب الله.
2- تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن
يحدث الله لعبده نعمة،
بل يحب أن يبقى على
حاله؛ من جهله، أو فقره، أو ضعفه،
أو شتات قلبه عن الله، أو قلة
دينه.
3- حسد الغبطة؛ وهو تمني أن يكون له مثل
حال المحسود،
من غير أن تزول النعمة
عنه، فهذا لا بأس به ولا يعاب
صاحبه،
بل هذا قريب من المنافسة
.
وقسمه الغزالي إلى
أربعة أنواع :
1- أن يحب زوال النعمة عنه ،
وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا غاية
الخبث .
2- أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في
تلك النعمة ،
مثل رغبته في دار حسنة، أو امرأة جميلة،
أو ولاية نافذة ،
أو سعة نالها غيره، وهو
يحبُّ أن تكون له ،
ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه
.
3- أن لا يشتهي عينها لنفسه، بل يشتهي
مثلها،
فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلا يظهر
التفاوت بينهما .
4- أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم تحصل
فلا يحب زوالها عنه ،
وهذا هو المعفو عنه إن
كان في الدنيا، والمندوب إليه إن كان في
الدين.
أسباب الوقوع في الحسد
للحسد أسباب كثيرة
تجعل النفس المريضة تقع في حبائل تلك
الخصلة الذميمة،
وقد أحسن الجرجاني
إجمالها فقال :
[ التفاضل -أطال الله بقاءك- داعية
التنافس؛ والتنافس سبب
التحاسد؛
وأهل النقص رجلان: رجل
أتاه التقصير من قبله، وقعد به عن الكمال
اختياره،
فهو يساهم الفضلاء
بطبعه، ويحنو على الفضل بقدر سهمه.
وآخر رأى النقص ممتزجًا بخلقته، ومؤثلًا
في تركيب فطرته،
فاستشعر اليأس من زواله،
وقصرت به الهمة عن انتقاله؛
فلجأ إلى حسد الأفاضل،
واستغاث بانتقاص الأماثل؛
يرى أنَّ أبلغ الأمور في جبر نقيصته،
وستر ما كشفه العجز عن عورته، اجتذابهم
إلى مشاركته،
ووسمهم بمثل سمته ]
.
وفصل الغزالي أسباب
التحاسد في سبعة أمور هي
:
1– العداوة والبغضاء
:
وهذا أشد أسباب الحسد ،
فإنَّ مَن آذاه شخص بسبب من الأسباب،
وخالفه في غرض بوجه من الوجوه، أبغضه
قلبه، وغضب عليه،
ورسخ في نفسه الحقد.
والحقد يقتضي التشفي
والانتقام،
فإن عجز المبغض عن أن
يتشفَّى بنفسه أحبَّ أن يتشفَّى منه الزمان،
وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله
تعالى،
فمهما أصابت عدوه بلية
فرح بها، وظنَّها مكافأة له من جهة الله
على بغضه وأنها لأجله، ومهما أصابته نعمة
ساءه ذلك؛
لأنَّه ضدُّ مراده،
وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند
الله؛
حيث لم ينتقم له من عدوه
الذي آذاه، بل أنعم عليه.
2- التعزز :
وهو أن يثقل عليه أن
يترفع عليه غيره، فإذا أصاب بعض أمثاله
ولاية،
أو علمًا، أو مالًا خاف
أن يتكبر عليه، وهو لا يطيق
تكبره،
ولا تسمح نفسه باحتمال
صلفه (4) ، وتفاخره عليه،
وليس من غرضه أن يتكبر،
بل غرضه أن يدفع كبره،
فإنَّه قد رضي بمساواته
مثلًا، ولكن لا يرضى بالترفع
عليه.
3- الكبر :
وهو أن يكون في طبعه أن
يتكبر عليه، ويستصغره،
ويستخدمه،
ويتوقَّع منه الانقياد
له، والمتابعة في أغراضه،
فإذا نال نعمة خاف ألا
يحتمل تكبره ويترفع عن
متابعته،
أو ربما يتشوَّف إلى
مساواته، أو إلى أن يرتفع
عليه،
فيعود متكبرًا بعد أن
كان متكبرًا عليه.
4- التعجب :
فيجزع الحاسد من أن
يتفضل عليه من هو مثله في الخلقة،
لا عن قصد تكبر، وطلب رياسة، وتقدم
عداوة،
أو سبب آخر من سائر
الأسباب .
5- الخوف من فوت المقاصد :
وذلك يختص بمتزاحمين على
مقصود واحد،
فإن كان واحد يحسد صاحبه
في كلِّ نعمة تكون عونًا له
في الانفراد بمقصوده، ومن هذا الجنس
تحاسد الضرات في التزاحم
على مقاصد الزوجية، وتحاسد الإخوة في
التزاحم على نيل المنزلة
في قلب الأبوين؛ للتوصل
به إلى مقاصد الكرامة والمال .
6- حب الرياسة وطلب الجاه
:
وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم
النظير في فنٍّ من الفنون،
إذا غلب عليه حب الثناء، واستفزه الفرح
بما يمدح به
من أنه واحد الدهر، وفريد العصر في فنه،
وأنه لا نظير له،
فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم
لساءه ذلك، وأحبَّ موته،
أو زوال النعمة عنه التي
بها يشاركه المنزلة؛ من شجاعة،
أو علم، أو عبادة، أو
صناعة، أو جمال، أو ثروة،
أو غير ذلك مما يتفرد هو
به، ويفرح بسبب تفرده.
7- خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله
تعالى :
فإنك تجد من لا يشتغل
برياسة وتكبر ولا طلب مال،
إذا وصف عنده حسن حال
عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه؛
يشقُّ ذلك عليه، وإذا وصف له اضطراب أمور
الناس، وإدبارهم،
وفوات مقاصدهم، وتنغص عيشهم فرح
به،
فهو أبدًا يحبُّ الإدبار
لغيره،
ويبخل بنعمة الله على
عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته.
وهذا السبب معالجته شديدة؛ لأنَّ الحسد
الثابت بسائر الأسباب
أسبابه عارضة، يتصور
زوالها فيطمع في إزالتها،
وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض،
فتعسر إزالته
إلي اللقاء مع الجزء
الرابع إن شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق