شرح
كتاب فضائل القرآن
من
مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري
باب : في الماهر بالقرآن
والذي يشتد عليه
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ
عِوَجًا }
[
الكهف : 1 ]
{
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ
لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }
[
الفرقان : 1 ]
والحمد لله الذي جعل
كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور،
وهدى ورحمة ونورا
للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله،
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه،
ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين،
وسلم تسليما
كثيرا.
عَنْ
عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم :
(
الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ
الْبَرَرَةِ،
وَالَّذِي
يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ
شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ )
الشرح
:
الباب الحادي عشر من
مختصر مسلم للمنذري :
باب الماهر بالقرآن
والذي يشتد عليه،
وأورد
فيه الإمام المنذري حديث عائشة رضي الله عنها،
وقد
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ( 798 )
وبوب
عليه النووي: باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع
فيه.
- قولها : قال رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
:
(
الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ
الْبَرَرَةِ،
وَالَّذِي
يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ
شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ )
الماهر
هو الحاذق بقراءة القرآن،
والكامل
الحفظ الذي لا يتوقف عند القراءة،
ولا
تشق عليه القراءة لجودة حفظه،
وإتقانه
لكتاب ربه، فهو ماهر في القراءة والتلاوة والأداء وحسن الصوت،
ماهر
في الحفظ، فهذا هو الماهر بالقرآن،
والمهارة
لا تكون إلا من دربة وتمرين ومداومة قراءة وإتقان
حفظ،
فالمهارة لا تأتي إلا
بعد بذل الجهد والمداومة والتعاهد،
فهذا الماهر يكون مع
السفرة الكرام البررة
-
أما معنى قوله: (
مع السفرة )
فقال القاضي عياض :
[ يحتمل أن يكون معنى
كونه مع الملائكة : أن له في الآخرة
منازل
يكون فيها رفيقا
للملائكة السفرة؛ لاتصافه بصفتهم،
من
حمل كتاب الله تعالى ]
قال :
[
ويحتمل أن يراد أنه عاملٌ بعملهم، وسالك مسلكهم
]
-
أي : لكونه حمل كتاب الله عز وجل في الدنيا،
فهو
يوم القيامة يكون مع الملائكة الذين كان الله سبحانه وتعالى
يرسلهم
سفراء بينه وبين خلقه، أو لأنه يعمل كعمل الملائكة،
ويسلك
طريقا كطريقهم، من كونه يحمل كتاب الله سبحانه
وتعالى
ويقرؤه ويعلمه، فهو
كالملائكة السفرة، والسفرة جمع سافر،
ككتبة
وكاتب، والسافر هو الرسول، والسفرة الرسل،
وسمي
سافراً لأنه يسفر برسالة الله إلى الناس،
يعني
يظهر رسالة الله إلى الناس،
فأسفر فلان عن كذا: أي
أظهر وبيّن، فالرسل من البشر
والملائكة سفرة،
وأيضا
السفرة من السفارة وهي السعي بين القوم،
كما
قال الله سبحانه
{ بأيدي سفرة كرام بررة
}
[
عبس : 15 , 16 ]
فهذا ما وصف الله تبارك
وتعالى به ملائكته السفراء الكرام،
أنهم
كرامٌ بررة، وكرام جمع كريم، أي هم كرام على ربهم،
وبررة
جمع بر، أي أتقياء مطيعون لله، صادقون في
إيمانهم.
-
قوله صلي الله عليه وسلم :
(
والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران
)
وأما الذي يقرأ القرآن
ويتتعتع فيه، والتعتعة فيه لأن القراءة عليه
شاقة
وصعبة، إما لكونه في بداية التعلم والحفظ، أو لاختلاف لغته
عن
اللغة العربية لكونه أعجميا مثلاً، ولمّا كانت القراءة عليه شاقة
( فله أجران )
:
أجر بالقراءة، وأجر
التعتعة في التلاوة والمشقة في
القراءة،
أو التعتعة بسبب بثقل
اللسان خلقة وطبيعة.
وقيل :
الذي يتتعتع هو الذي
يتردد في التلاوة لضعف حفظه وإتقانه؟!
لكن والله تعالى أعلم
الأول هو الأصح والأقوى؛
لأنّ الإنسان إذا قصّر
في الحفظ والمراجعة،
وحصل
له تردد في التلاوة والقراءة، فإن هذا لا يكون له فيه مزية
أو
فضل؛ لأنه أهمل المراجعة والحفظ.
وكون
الذي يتتعتع له أجران، لا يدل على أنه أفضل درجة من
الماهر،
فقد يكون للماهر أجور
أكثر منه، وذلك لمهارته.
وأيضا :
فإن
مجرد كثرة الأجر، لا تدل على ارتفاع الدرجة عند الله تعالى،
فحال
الماهر أفضل وأرفع درجة، بدليل أنه مع الملائكة
السفرة،
الذين لهم منازل
عالية.
ولم
يذكر الرسول صلى
الله عليه وسلم
كم للماهر من الأجر،
وإنما
قال صلي الله عليه وسلم :
(
هو مع السفرة الكرام البررة )
وهي بشارة عظيمة بلا شك
لكل من اعتنى بكتاب الله وحفظه
وأتقنه،
وأكمل قراءته وأتمه، فإنه يكون مع ملائكة الرحمن
السفرة
الكرام البررة.
والله تعالى
أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق