الرضا (8)
الحلقة الأخيرة
ما قيل عن الرضا :
بعضُهم قال: طريقتي الفرح باللهِ والسرور بهِ بقضائِهِ وقدَرِهِ.
قيلَ لِبِشر الحافي: الرِضا أفضلُ من الزُهدَِ في الدُنيا, لأنَّ الراضي
لا يتمنى فوقَ منزِلته، الراضي رضي بما قضاهُ اللهُ لَهُ.
أبو عثمان سُئل عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
اللهمَّ إني أسألُكَ الرِضا بعدَ القضاء, فقالَ المسؤول: إنَّ الرِضا قبلَ
القضاء عزمٌ على الرِضا, لكنهُ بعدَ القضاءِ هوَ الرِضا الحقيقي.
من اتكل على ماله ضل, ومن اتكل على قوته ذل, ومن اتكل على الله
لا ضل ولا ذل :
أيام الإنسان يتوهّم لو أصابني مكروه أنا راضٍ, هذا افتراض,
أمّا إذا أصابَكَ المكروهُ فِعلاً هُنا المِحك.
قبل أن أحضر للدرس, زارني أخوان من الميدان مهنئين بالحج,
قُلت لهم: اللهُ عزّ وجل ضمن الحج, يُعالج الحُجاج، قال: كيف؟
قُلت: أيام يكون في حاج معتمد على ماله, فطلب خيمة مُكيّفة مع ثلاث
وجبات ساخنة وباردة, وخدمة ممتازة, وباص مُكيّف, هذا كيفَ يُعالج؟
يتوهُ عن خيمتهِ يومين, يكون في حاج آخر, انطلقَ إلى الحج,
وهوَ يرى مكانتَهُ في بلدِهِ، لهُ اسم, اسم علمي، مالي، اقتصادي، رُتبة مثلاً، وظيفة،
اللهُ يُلهم موظف صغير جداً في المطار أن يزدريهُ، الله عالج الحاج بهذهِ الطريقة.
أيام يكون الحاج مُفتقراً إلى الله عزّ وجل, فتجد الأمور تيسّرت أكرموه,
والطريق سهل, والوقوف قليل, والبيت جاهز, والطواف سهل,
والله ألهمَهُ بوقت ليسَ فيهِ ازدحام، الله عزّ وجل حتى الحُجاج يُعالِجُهم في الحج.
في شخص قال: أنا لا أحُج إلا بأرقى مستوى، واحد معهُ مال,
يجب أن تظهر نِعم اللهُ عليه, فاختار بِمِنى فندقاً فخماً, أقسَمَ بالله
تاهَ عنهُ ثلاثةَ أيام، كُلُكم يعلم بالحج موضوع التيه بالحج وارد, تاهَ عنهُ ثلاثة أيام.
فمن اتكلَ على مالِهِ ضلّ, ومن اتكلَ على قوتهِ ذلّ, ومن اتكلَ على اللهِ
لا ضلَّ ولا ذلّ.
أن يتكِلَ على غير الله عزّ وجل, اللهُ عزّ وجل يسحبُ من تحتِ قدمهِ البِساط محبةً لهُ.
انظر إلى هذا العلاج الرباني لهذا الشخص :
ذهب أحدهم إلى الحج, هوَ في بلدهِ أحوال وإقبال وأوراد وأذكار
وقيام الليل وإنفاق وخدمة الناس, متوقّع أنهُ سيجد بالحج تجليّات
ونفحات ربانيّة بشكل غير معقول, لكن ذهبَ إلى هُناك, واعتدَّ بأحوالِهِ,
فحُجِبَ عن الأحوالِ كُلِها في الحج، طاف، سعى, ما في شيء،
عرفات ما في شيء، أينَ أحوالُهُ؟ عالجهُ الله بأن حَجَبَهُ عن الأحوال تأديباً لهُ،
فممكن الإنسان أن يتعالج بأن يحجُبَ الله عنهُ الأحوال،
إذا كان قد ظنَّ بأنَّ مكانتهُ كبيرة يتعالج عِندَ
شخص يزدريهِ أحياناً، إذا كان مُعتمداً على ماله يضعَهُ في مُشكلة المال
لا يحُلُها، يوجد في الحياة آلاف المشاكل.
كلمة كبيرة :
شخص قال كلمة, قُلتُ في نفسي: نجّاهُ اللهُ من عقابيلِها, قال:
كُل شيء بالمال يُحلّ, هذهِ كلمة كبيرة جداً، اللهُ في عِندَهُ مليون مصيبة,
مليار مصيبة, لو معك ألف مليون لا تساوي شيئاً.
أنا كُنت عِند طبيب صديق, جاءهُ هاتف, يقولون بالحرف الواحد:
أيّ مكان بالعالم مهما كان الرقم بالملايين, قالَ لي: والله ما في أمل،
الورم الخبيث بلغ الدرجة الخامسة, لا تُتعبوا أنفسكم، أيّ مكان بالعالم
مهما كان المبلغ كبيراً لن يفيد، فإذا الإنسان قال: كُل شيء يُحل بالمال,
هذهِ كلمة كبيرة، أنا أقول: نجّاهُ اللهُ من عقابيلِها، عقابيلها التأديب.
فالرِضا الحقيقي متى: قبل أم بعد؟ بعد, قبل توقّع هذا رِضا افتراضي,
أمّا الحقيقي بعد.
من تعريف الرضا :
من تعريفِ الرِضا قال: الرِضا ارتفاعُ الجزعِ في أيِّ حُكمٍ كان،
من تعريف الرِضا: رفعُ الاختيار, اللهمَّ خِر لي واختر لي، الراضي يعيش بسعادة
كبيرة جداً، يعني يتمثّل قولَهُ تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
[سورة التوبة الآية: 111]
أحدهم باع البيت، المشتري أحبَّ أن يُزيل حائطاً، لماذا تُزيل الحائط؟
ألم تبع أنتَ البيت؟ ما دام بِعت فالمشتري حُر، فأنتَ بِعت واللهُ اشترى,
أحبَّ أن يُعطيك، أحبَّ أن يمنعك، أحبَّ أن يُسرِّك، إذا أنتَ فعلاً بعت,
فالبائع ليسَ لهُ حق أن يتدخّل مع المشتري, الله اشترى.
تعاريف الرِضا:
استقبالُ الأحكامِ بالفرح، ومن تعاريف الرِضا: سكونُ القلب تحتَ
مجاري الأحكام.
وكتبَ عُمرُ بنُ الخطاب -رضي اللهُ عنه- إلى أبي موسى الأشعري
-رضي اللهُ عنهُما-: أمّا بعدُ؛ فإنَّ الخيرَ كُلَهُ في الرِضا, فإن استطعتَ
أن ترضى وإلا فاصبر.
أقسام الرضا :
آخر شيء في الرِضا: الرِضا أقسامٌ ثلاث؛ رِضا العوام بِما قَسَمَهُ اللهُ
وأعطى، ورِضا الخواص بِما قدّرَهُ وقضاه، ورِضا خواصّ الخواص
بهِ بدلاً عن كُلِّ ما سِواه.
سيدنا الصِدّيق ما نَدِمَ على شيء فاتَهُ من الدُنيا قط, فينبغي أن ترضى
بِما قَسَمَهُ الله لك، وينبغي أن ترضى بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وينبغي أن
ترضى باللهِ بدلاً عن كُلِّ ما سِواه.
إلهي أنتَ مقصودي ورِضاكَ مطلوبي.
والحمد لله رب العالمين
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
الحلقة الأخيرة
ما قيل عن الرضا :
بعضُهم قال: طريقتي الفرح باللهِ والسرور بهِ بقضائِهِ وقدَرِهِ.
قيلَ لِبِشر الحافي: الرِضا أفضلُ من الزُهدَِ في الدُنيا, لأنَّ الراضي
لا يتمنى فوقَ منزِلته، الراضي رضي بما قضاهُ اللهُ لَهُ.
أبو عثمان سُئل عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
اللهمَّ إني أسألُكَ الرِضا بعدَ القضاء, فقالَ المسؤول: إنَّ الرِضا قبلَ
القضاء عزمٌ على الرِضا, لكنهُ بعدَ القضاءِ هوَ الرِضا الحقيقي.
من اتكل على ماله ضل, ومن اتكل على قوته ذل, ومن اتكل على الله
لا ضل ولا ذل :
أيام الإنسان يتوهّم لو أصابني مكروه أنا راضٍ, هذا افتراض,
أمّا إذا أصابَكَ المكروهُ فِعلاً هُنا المِحك.
قبل أن أحضر للدرس, زارني أخوان من الميدان مهنئين بالحج,
قُلت لهم: اللهُ عزّ وجل ضمن الحج, يُعالج الحُجاج، قال: كيف؟
قُلت: أيام يكون في حاج معتمد على ماله, فطلب خيمة مُكيّفة مع ثلاث
وجبات ساخنة وباردة, وخدمة ممتازة, وباص مُكيّف, هذا كيفَ يُعالج؟
يتوهُ عن خيمتهِ يومين, يكون في حاج آخر, انطلقَ إلى الحج,
وهوَ يرى مكانتَهُ في بلدِهِ، لهُ اسم, اسم علمي، مالي، اقتصادي، رُتبة مثلاً، وظيفة،
اللهُ يُلهم موظف صغير جداً في المطار أن يزدريهُ، الله عالج الحاج بهذهِ الطريقة.
أيام يكون الحاج مُفتقراً إلى الله عزّ وجل, فتجد الأمور تيسّرت أكرموه,
والطريق سهل, والوقوف قليل, والبيت جاهز, والطواف سهل,
والله ألهمَهُ بوقت ليسَ فيهِ ازدحام، الله عزّ وجل حتى الحُجاج يُعالِجُهم في الحج.
في شخص قال: أنا لا أحُج إلا بأرقى مستوى، واحد معهُ مال,
يجب أن تظهر نِعم اللهُ عليه, فاختار بِمِنى فندقاً فخماً, أقسَمَ بالله
تاهَ عنهُ ثلاثةَ أيام، كُلُكم يعلم بالحج موضوع التيه بالحج وارد, تاهَ عنهُ ثلاثة أيام.
فمن اتكلَ على مالِهِ ضلّ, ومن اتكلَ على قوتهِ ذلّ, ومن اتكلَ على اللهِ
لا ضلَّ ولا ذلّ.
أن يتكِلَ على غير الله عزّ وجل, اللهُ عزّ وجل يسحبُ من تحتِ قدمهِ البِساط محبةً لهُ.
انظر إلى هذا العلاج الرباني لهذا الشخص :
ذهب أحدهم إلى الحج, هوَ في بلدهِ أحوال وإقبال وأوراد وأذكار
وقيام الليل وإنفاق وخدمة الناس, متوقّع أنهُ سيجد بالحج تجليّات
ونفحات ربانيّة بشكل غير معقول, لكن ذهبَ إلى هُناك, واعتدَّ بأحوالِهِ,
فحُجِبَ عن الأحوالِ كُلِها في الحج، طاف، سعى, ما في شيء،
عرفات ما في شيء، أينَ أحوالُهُ؟ عالجهُ الله بأن حَجَبَهُ عن الأحوال تأديباً لهُ،
فممكن الإنسان أن يتعالج بأن يحجُبَ الله عنهُ الأحوال،
إذا كان قد ظنَّ بأنَّ مكانتهُ كبيرة يتعالج عِندَ
شخص يزدريهِ أحياناً، إذا كان مُعتمداً على ماله يضعَهُ في مُشكلة المال
لا يحُلُها، يوجد في الحياة آلاف المشاكل.
كلمة كبيرة :
شخص قال كلمة, قُلتُ في نفسي: نجّاهُ اللهُ من عقابيلِها, قال:
كُل شيء بالمال يُحلّ, هذهِ كلمة كبيرة جداً، اللهُ في عِندَهُ مليون مصيبة,
مليار مصيبة, لو معك ألف مليون لا تساوي شيئاً.
أنا كُنت عِند طبيب صديق, جاءهُ هاتف, يقولون بالحرف الواحد:
أيّ مكان بالعالم مهما كان الرقم بالملايين, قالَ لي: والله ما في أمل،
الورم الخبيث بلغ الدرجة الخامسة, لا تُتعبوا أنفسكم، أيّ مكان بالعالم
مهما كان المبلغ كبيراً لن يفيد، فإذا الإنسان قال: كُل شيء يُحل بالمال,
هذهِ كلمة كبيرة، أنا أقول: نجّاهُ اللهُ من عقابيلِها، عقابيلها التأديب.
فالرِضا الحقيقي متى: قبل أم بعد؟ بعد, قبل توقّع هذا رِضا افتراضي,
أمّا الحقيقي بعد.
من تعريف الرضا :
من تعريفِ الرِضا قال: الرِضا ارتفاعُ الجزعِ في أيِّ حُكمٍ كان،
من تعريف الرِضا: رفعُ الاختيار, اللهمَّ خِر لي واختر لي، الراضي يعيش بسعادة
كبيرة جداً، يعني يتمثّل قولَهُ تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
[سورة التوبة الآية: 111]
أحدهم باع البيت، المشتري أحبَّ أن يُزيل حائطاً، لماذا تُزيل الحائط؟
ألم تبع أنتَ البيت؟ ما دام بِعت فالمشتري حُر، فأنتَ بِعت واللهُ اشترى,
أحبَّ أن يُعطيك، أحبَّ أن يمنعك، أحبَّ أن يُسرِّك، إذا أنتَ فعلاً بعت,
فالبائع ليسَ لهُ حق أن يتدخّل مع المشتري, الله اشترى.
تعاريف الرِضا:
استقبالُ الأحكامِ بالفرح، ومن تعاريف الرِضا: سكونُ القلب تحتَ
مجاري الأحكام.
وكتبَ عُمرُ بنُ الخطاب -رضي اللهُ عنه- إلى أبي موسى الأشعري
-رضي اللهُ عنهُما-: أمّا بعدُ؛ فإنَّ الخيرَ كُلَهُ في الرِضا, فإن استطعتَ
أن ترضى وإلا فاصبر.
أقسام الرضا :
آخر شيء في الرِضا: الرِضا أقسامٌ ثلاث؛ رِضا العوام بِما قَسَمَهُ اللهُ
وأعطى، ورِضا الخواص بِما قدّرَهُ وقضاه، ورِضا خواصّ الخواص
بهِ بدلاً عن كُلِّ ما سِواه.
سيدنا الصِدّيق ما نَدِمَ على شيء فاتَهُ من الدُنيا قط, فينبغي أن ترضى
بِما قَسَمَهُ الله لك، وينبغي أن ترضى بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وينبغي أن
ترضى باللهِ بدلاً عن كُلِّ ما سِواه.
إلهي أنتَ مقصودي ورِضاكَ مطلوبي.
والحمد لله رب العالمين
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق