أسأل عن طلاق الغضبان، وهل أنا طالق بذلك؟!
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخوتي في الله، سمَّيتُ نفسي: الإنسانة الحزينة؛ لأني حزينة طوال عمري، فأنا امرأة طيِّبة، أحبُّ الخيرَ لكلِّ الناس، لكن هم عكس ذلك.
مُعظمُ مشاكلي مع زوجي بسبب التدخين، وكل مرَّة يشتد بنا الشِّجار، طلبتُ منه الطلاق، والله ما كانتْ نيتي خراب بيتي، فتلفَّظ بالطلاق مرتَين، وكل مرة يذهب إلى الشيخ، وقال له: تستطيع إرجاعها، وأنا باقية في منزلي، ثم عاد وحلف على المصحف ألا يدخِّن مرة أخرى، وفي أحد الأيام وجدتُه يُدخِّن، وكنتُ في حالة غضبٍ شديد، وتلفَّظ بالطلاق للمرة الثالثة، ثم واجهتُه بذلك، وقلتُ له: حياتُنا هدمتْ! فقال: لم؟ قلتُ: طلَّقتني الثالثة! فقال: والله لم أطلِّق! ولم أتلفَّظْ بها أبدًا! حتى شككتُ في أمري، وبقيت أذكِّره! فقال: لم أقلْها، وبقي على هذه الحالة حتى المساء، ثم قال لي: نعم، لقد تذكرتُ - الآن - لكن ما كانتْ نيتي الطلاق، ولكن إسكاتكِ فقط، ثم اتَّصل بأحد الأئمة، وشرح له الوضع، وقال له: ما دمتَ كنت في حالة غضب شديد، فالطلاق لم يقع.
اتَّصلتُ أنا بعدة جهات، وكانت نفس الفتوى، أنا أعيش معه.
أخبروني برأيكم، جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فما دام الحالُ - كما ذكرتِ - أنَّ زوجك تلفَّظ بالطلقة الثالثة، وهو في حالة غضب شديد، وأن الشيخ الذي استفتاه وشرح له الوضع أفتاه بعدم وقوع الطلاق؛ بسبب الغضب الشديد، وكذلك أخبرتْكِ الجهاتُ التي اتصلتِ بها بنفس الفتوى، فلا حرج عليكما في العمل بتلك الفتوى؛ لأن الواجبَ على عوامِّ المسلمين تقليدُ مَن يغلبُ على ظنِّهم أنَّهم الأعلم والأقربُ للحق؛ كما نصَّ عليه الأصوليون في مباحثِ التَّقليدِ؛ قال أبو حامدٍ الغزالي في كتاب "المستصْفى": "العامِّيُّ يجب عليه الاستِفْتاءُ، واتِّباع العلماءِ، والإجْماعُ منعقدٌ على أنَّ العامِّيَّ مكلَّفٌ بالأحكام، وتكليفُه طلب رُتبة الاجتِهاد محالٌ؛ لأنَّه يؤدِّي إلى أن يَنقطع الحرْثُ والنَّسلُ، وتتعطَّل الحِرَف والصنائعُ، ويؤدِّي إلى خراب الدُّنيا، لو اشْتغل النَّاس بِجُملتِهم بطلب العِلْم، وذلك يردُّ العلماء إلى طلب المعايِش، ويؤدِّي إلى اندراس العلم، بل إلى إهْلاك العلماء، وخراب العالم، وإذا استحال هذا لَم يبقَ إلا سؤالُ العُلماء، فإن قيل: فقد أبطلتم التقليد، وهذا عينُ التقليدِ! قلنا: التَّقْليدُ قبولُ قوْلٍ بلا حجَّة، وهؤلاءِ وَجَبَ عليْهِم ما أفتى به المفْتِي بدليلِ الإجماع، كما وجَبَ على الحاكم قبولُ الشُّهود، ووجَبَ عليْنا قبولُ خبرِ الواحد".
وقال شيخُ الإسلام: "ما زال المسلِمون يَستفتُون علماء المسلمين، فيقلِّدون تارةً هذا، وتارةً هذا، فإذا كان المقلِّد يقلِّد في مسألةٍ يراها أصْلَح في دينه، أو القول بِها أرْجح، أو نحو ذلك - جاز هذا باتِّفاق جَماهير علماء المسلمين، لم يُحَرِّم ذلك لا أبو حنيفةَ، ولا مالكٌ، ولا الشافعيُّ ولا أحمدُ".
هذا؛ ومسألةُ طلاقِ الغضبان معروفةٌ مدونةٌ في كتب الفقه؛ فقد نصَّ الفقهاءُ على أنه من الغَضَبِ ما لا يَمنع وقُوع الطلاق، وهو ما كان في مبادئ الغضب، بحيثُ لم يتغيَّر عقله، ويعلم ما يقول ويقصده.
ومنه ما يصل صاحبُه إلى حدٍّ لا يعلم ما يقول - كالمجنون - فهذا لا يقعُ طلاقُه، ولا شيءٌ من أقواله.
ومنه مرحلةٌ متوسطةٌ؛ لا هو كالمجنون، ولا كالذي في بدايات الغضب، وهو مَن غَضِبَ، وكان لا يستطيع أن يضبط أقواله وأفعاله، فهذا مَوْضِع نَظَر، والأَدِلَّةُ تدل على عدم نفوذ أقواله؛ فقد روى أبو داود وابن ماجه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( لا طلاق ولا عِتَاق فِي إِغْلاق )،
والإغلاقُ معناه: انغلاق الذهن عن النظَر والتفكير؛ بسبب الغضب أو غيره.
ولْتعلمي - رعاكِ الله - أنَّ الحياة الزوجية مبنيةٌ على المودة، والرحمة، والاحترام المتبادل؛ قال - تعالى -:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
[الروم: 21]،
فاطوي تلك الصفحة، وافتحي مع زوجك صفحةً جديدةً؛ فالطلاقُ ليس
هو الحلَّ الأول الذي يَفْزَعُ إليه الزوجان، وإنما شُرِع ليكون آخرَ الحلول، وليس أولَها، فابحثي عن كلِّ ما من شأنه جلب المحبة بينكما، وتحلَّي بالصبر، وابتعدي عنِ الغضب، وإن أردتِ أن تأمري بالمعروف وتنهَي عن المنكر، وجب عليك التحلِّي بالعلم، والحكمة، والصبر؛ فالأزواجُ - عمومًا –
لا يخلون من عيبٍ؛ لكونهم بشرًا، والبشر لا يخلون مِن قصورٍ وعيبٍ، فلا تنظُري إلى الجانب السيئِ فقط؛ ولذلك قال - تعالى -:
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }
[البقرة: 216]،
وقال - تعالى -:
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19]،
وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
( لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً - أي: لا يبغض مؤمنٌ مؤمنةً - إن كَرِهَ
منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخرَ ).
فحاولِي التبصُّرَ والهدوء، والنظر في العواقِب، والتفكير في مصير الأبناء، ومستقبل علاقاتك الأسرية، والتفكُّر في ذلك مليًّا، وعدمَ التعجُّلِ في الأمر، واللجوء إلى المولى - عز وجل - بأن يَفْتَحَ عليكِ، ويُلْهِمَكِ رُشْدَكِ في هذا الأمر؛ فهو قريبٌ من عباده الصادقين، ونسألُ الله أن يُيَسِّر أمرَكُما، وأن يُقدِّر لكما الخيرَ حيثُ كان.
منقول للفائدة
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخوتي في الله، سمَّيتُ نفسي: الإنسانة الحزينة؛ لأني حزينة طوال عمري، فأنا امرأة طيِّبة، أحبُّ الخيرَ لكلِّ الناس، لكن هم عكس ذلك.
مُعظمُ مشاكلي مع زوجي بسبب التدخين، وكل مرَّة يشتد بنا الشِّجار، طلبتُ منه الطلاق، والله ما كانتْ نيتي خراب بيتي، فتلفَّظ بالطلاق مرتَين، وكل مرة يذهب إلى الشيخ، وقال له: تستطيع إرجاعها، وأنا باقية في منزلي، ثم عاد وحلف على المصحف ألا يدخِّن مرة أخرى، وفي أحد الأيام وجدتُه يُدخِّن، وكنتُ في حالة غضبٍ شديد، وتلفَّظ بالطلاق للمرة الثالثة، ثم واجهتُه بذلك، وقلتُ له: حياتُنا هدمتْ! فقال: لم؟ قلتُ: طلَّقتني الثالثة! فقال: والله لم أطلِّق! ولم أتلفَّظْ بها أبدًا! حتى شككتُ في أمري، وبقيت أذكِّره! فقال: لم أقلْها، وبقي على هذه الحالة حتى المساء، ثم قال لي: نعم، لقد تذكرتُ - الآن - لكن ما كانتْ نيتي الطلاق، ولكن إسكاتكِ فقط، ثم اتَّصل بأحد الأئمة، وشرح له الوضع، وقال له: ما دمتَ كنت في حالة غضب شديد، فالطلاق لم يقع.
اتَّصلتُ أنا بعدة جهات، وكانت نفس الفتوى، أنا أعيش معه.
أخبروني برأيكم، جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فما دام الحالُ - كما ذكرتِ - أنَّ زوجك تلفَّظ بالطلقة الثالثة، وهو في حالة غضب شديد، وأن الشيخ الذي استفتاه وشرح له الوضع أفتاه بعدم وقوع الطلاق؛ بسبب الغضب الشديد، وكذلك أخبرتْكِ الجهاتُ التي اتصلتِ بها بنفس الفتوى، فلا حرج عليكما في العمل بتلك الفتوى؛ لأن الواجبَ على عوامِّ المسلمين تقليدُ مَن يغلبُ على ظنِّهم أنَّهم الأعلم والأقربُ للحق؛ كما نصَّ عليه الأصوليون في مباحثِ التَّقليدِ؛ قال أبو حامدٍ الغزالي في كتاب "المستصْفى": "العامِّيُّ يجب عليه الاستِفْتاءُ، واتِّباع العلماءِ، والإجْماعُ منعقدٌ على أنَّ العامِّيَّ مكلَّفٌ بالأحكام، وتكليفُه طلب رُتبة الاجتِهاد محالٌ؛ لأنَّه يؤدِّي إلى أن يَنقطع الحرْثُ والنَّسلُ، وتتعطَّل الحِرَف والصنائعُ، ويؤدِّي إلى خراب الدُّنيا، لو اشْتغل النَّاس بِجُملتِهم بطلب العِلْم، وذلك يردُّ العلماء إلى طلب المعايِش، ويؤدِّي إلى اندراس العلم، بل إلى إهْلاك العلماء، وخراب العالم، وإذا استحال هذا لَم يبقَ إلا سؤالُ العُلماء، فإن قيل: فقد أبطلتم التقليد، وهذا عينُ التقليدِ! قلنا: التَّقْليدُ قبولُ قوْلٍ بلا حجَّة، وهؤلاءِ وَجَبَ عليْهِم ما أفتى به المفْتِي بدليلِ الإجماع، كما وجَبَ على الحاكم قبولُ الشُّهود، ووجَبَ عليْنا قبولُ خبرِ الواحد".
وقال شيخُ الإسلام: "ما زال المسلِمون يَستفتُون علماء المسلمين، فيقلِّدون تارةً هذا، وتارةً هذا، فإذا كان المقلِّد يقلِّد في مسألةٍ يراها أصْلَح في دينه، أو القول بِها أرْجح، أو نحو ذلك - جاز هذا باتِّفاق جَماهير علماء المسلمين، لم يُحَرِّم ذلك لا أبو حنيفةَ، ولا مالكٌ، ولا الشافعيُّ ولا أحمدُ".
هذا؛ ومسألةُ طلاقِ الغضبان معروفةٌ مدونةٌ في كتب الفقه؛ فقد نصَّ الفقهاءُ على أنه من الغَضَبِ ما لا يَمنع وقُوع الطلاق، وهو ما كان في مبادئ الغضب، بحيثُ لم يتغيَّر عقله، ويعلم ما يقول ويقصده.
ومنه ما يصل صاحبُه إلى حدٍّ لا يعلم ما يقول - كالمجنون - فهذا لا يقعُ طلاقُه، ولا شيءٌ من أقواله.
ومنه مرحلةٌ متوسطةٌ؛ لا هو كالمجنون، ولا كالذي في بدايات الغضب، وهو مَن غَضِبَ، وكان لا يستطيع أن يضبط أقواله وأفعاله، فهذا مَوْضِع نَظَر، والأَدِلَّةُ تدل على عدم نفوذ أقواله؛ فقد روى أبو داود وابن ماجه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( لا طلاق ولا عِتَاق فِي إِغْلاق )،
والإغلاقُ معناه: انغلاق الذهن عن النظَر والتفكير؛ بسبب الغضب أو غيره.
ولْتعلمي - رعاكِ الله - أنَّ الحياة الزوجية مبنيةٌ على المودة، والرحمة، والاحترام المتبادل؛ قال - تعالى -:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
[الروم: 21]،
فاطوي تلك الصفحة، وافتحي مع زوجك صفحةً جديدةً؛ فالطلاقُ ليس
هو الحلَّ الأول الذي يَفْزَعُ إليه الزوجان، وإنما شُرِع ليكون آخرَ الحلول، وليس أولَها، فابحثي عن كلِّ ما من شأنه جلب المحبة بينكما، وتحلَّي بالصبر، وابتعدي عنِ الغضب، وإن أردتِ أن تأمري بالمعروف وتنهَي عن المنكر، وجب عليك التحلِّي بالعلم، والحكمة، والصبر؛ فالأزواجُ - عمومًا –
لا يخلون من عيبٍ؛ لكونهم بشرًا، والبشر لا يخلون مِن قصورٍ وعيبٍ، فلا تنظُري إلى الجانب السيئِ فقط؛ ولذلك قال - تعالى -:
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }
[البقرة: 216]،
وقال - تعالى -:
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19]،
وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
( لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً - أي: لا يبغض مؤمنٌ مؤمنةً - إن كَرِهَ
منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخرَ ).
فحاولِي التبصُّرَ والهدوء، والنظر في العواقِب، والتفكير في مصير الأبناء، ومستقبل علاقاتك الأسرية، والتفكُّر في ذلك مليًّا، وعدمَ التعجُّلِ في الأمر، واللجوء إلى المولى - عز وجل - بأن يَفْتَحَ عليكِ، ويُلْهِمَكِ رُشْدَكِ في هذا الأمر؛ فهو قريبٌ من عباده الصادقين، ونسألُ الله أن يُيَسِّر أمرَكُما، وأن يُقدِّر لكما الخيرَ حيثُ كان.
منقول للفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق