زواجاً لا شراكات
هذه العلاقة إنسانية، ما زالت قادرة على إحداث القلق الحقيقي لدى البشرية
منذ أن سواها من ضلعه كما الرواية، ومنذ أن خلقها من نفسه كما الآية،
فسكن لها، فكانت زوجاً وكانت جنة، وكانت
{ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }
ثم تفتّق عن تأويل العلاقة الأولى المحفوفة بيد الله، تآويل وقعت في أيدي
عبيده، وانزاح البشر في نظرياتهم، عن الفهم الأول، والقول الأول، وتفتق
المدادُ عن صفحات، في تحليل العلاقة الإنسانية الأولى، وما تبعها من
تأسيس لعلاقات لاحقة، وظهرت حقول الأشواك في نظريات الزواج والارتباط
والمساكنة والمصادقة والابتعاد والانفصال والطلاق، وهرع المقبلون أشتاتاً
على تشكيل بيوتهم أو المدبرون إلى فض عُراها، إلى ملاذات الاستشارة،
وتنظيرات فنون الحياة، وأصحاب مفاتيح السعادة الأبدية.
فينتظرون في طوابير ساقتهم عليها الحياة، لما سيقوله المخلّصون،
في حكمهم على ما سمعوا من ظروف، وما أُطلعوا عليه من أسرار، فَهُم
وإن ملأتهم الرغبة -وأقصد الشريكين هناـ في الاستماع لهؤلاء، يملؤهم
التعنت في عدم الاستماع لبعضهم البعض، وما دروا أنهم ما هرعوا إلا
ليكونوا مع بعضهم البعض، لكن بَهرجة الخلاص السريع، أسهل من السلوك
في دربه الوعر، وما سلوك دربه إلا سلوك لدروب الذات، بعيدا عن الأبواب
المغلقة في جلسات الاستماع وهواتف الحديث الطويل، ومرات الزيارة
المدرارة، فما الذي جرى؟
من يظن أن وضع قواعد للمشاعر الإنسانية بخطوات تُكتب وتُدرّس،
هو الملاذ من تعقيدات هذه المشاعر ودهاليزها، فقد فارق الذوق القلبي،
وأصل الخلقة الأولى، ونفخ الروح فينا
ينبهر الخلق بالبضاعة المنتشرة عن فنون العيش وأسرار النجاح، يدعمها
بذلك سلطان اللغة المنمقة، وثقة المتحدث المنطلق من أمام الشاشة أو خلف
ديكور البرنامج، ونماذج الزيف المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي،
والتي بالغت في إظهار كمالها من خلف عدسة الصورة المنمقة والمعالجة
بالبرامج والمنتقاة بعناية.
ثم يُطل صاحب المشورة الخبير، وباني صرح المجتمع الجهبذ، بتعداد
الأسباب على أصابع يديه، ليخبرك ببساطة، أن الأمور هنا، فهو قادر
على ذكرها وعدها، والوصول بك إلى شاطئ الأمان، متناسيا أن الحياة كلها
محيط، وأن الأصل في الرحلة هو الموج المتلاطم، لا الشاطئ البذخ، وإلا
فليبق كل شريك في موقعه دون خوضٍ أو مشاركة. مع أن ما يقدمه صاحب
المشورة، يؤسس لشركة ناجحة، وحربٍ لا خسارة فيها بين متحاربين اثنين،
لا شريكي حياة.
ثم عندما لا تنجح شروط تحصين العلاقة، وتتهاوى رغم المشورة، وتدرك
أن أسباب تمتينها هي نفسها أسباب التهالك، وأنه لا يوجد قوة تُمسك على
الشريكين شراكتهما إلا قلب نابض، ومودة سابقة على رحمة من لدنه. لكن
أنّا لمؤسسي الشركات أن يفهما الشراكة، وأنّا لدعاة الحرب وتجار سلاحها
أن يجنحوا لسلم الحب؟
إن الظن بالقدرة المطلقة على تلقين الناس كيفية عيشهم، وتكوين شراكاتهم،
نابعة من" أنا" مفرغة فارغة، وفقاعة وهم بفهم مطلق للحياة، وممارسة
لديكتاتورية مصغرة وانتقام لواقع سابق، وربما محاولة للهروب من واقع
معاصر، أما القبول بتمرير هذه القدرة من قبل شريكي الحياة، فهو مرتبط
بفهم ووعي ووجهة نظرهما للحياة، وما نَضَحَهُ المجتمع في عقولهما
عن مفاهيم العلاقة والشراكة والبيت والأسرة، وفكرة المخلص الخارجي، والتي
تنفي ذواتنا الداخلية التي بيدها كل شيء. وحتى في حالات إصلاح ذوي
القربى والحَكَم الذي يُبعثُ بينهما، تعوّل الآية عليهما بقولها
{ إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا }
فالإرادة لهما ليحدث التوفيق، وإن كان الحكم من أهلهما
وإن كان المستشار خبيرا.
من يظن أن تقعيدا -أي وضع قواعد- للمشاعر الإنسانية بخطوات تُكتب
وتُدرّس، هو الملاذ من تعقيدات هذه المشاعر ودهاليزها، قد فارق الذوق
القلبي، وأصل الخلقة الأولى، ونفخ الروح فينا. فما العلاقة الإنسانية إلا هذا
الأصل والأساس والباقي تفاصيل، ودون إغفال للتفاصيل، فهي تذوب في
بوتقة الحب لا حسابات الإغداق، وإلا ماذا نصنع بأسباب العلاقة إذا انتفت؟
وبنقاط التقاطع إذا اضمحلت؟ لكن لا تقل لي ماذا نصنع بالحب؟
بل ماذا يصنع الحب بنا؟
يقول أحد العارفين: "كل حب معروف الأسباب لا يعول عليه" والشركة
معروفة الأسباب، حاضرة الشروط، أما الشراكة، فبلا سبب؛ إحساس عالٍ
بالرغبة في العطاء دون شروط، نفحة علوية، غير مفهومة التدفق، فهل يعي
متشدقوا المشورة المادية، وإن زعموا أنها تربوية أسرية، أنه
{ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ }؟!
هذه العلاقة إنسانية، ما زالت قادرة على إحداث القلق الحقيقي لدى البشرية
منذ أن سواها من ضلعه كما الرواية، ومنذ أن خلقها من نفسه كما الآية،
فسكن لها، فكانت زوجاً وكانت جنة، وكانت
{ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }
ثم تفتّق عن تأويل العلاقة الأولى المحفوفة بيد الله، تآويل وقعت في أيدي
عبيده، وانزاح البشر في نظرياتهم، عن الفهم الأول، والقول الأول، وتفتق
المدادُ عن صفحات، في تحليل العلاقة الإنسانية الأولى، وما تبعها من
تأسيس لعلاقات لاحقة، وظهرت حقول الأشواك في نظريات الزواج والارتباط
والمساكنة والمصادقة والابتعاد والانفصال والطلاق، وهرع المقبلون أشتاتاً
على تشكيل بيوتهم أو المدبرون إلى فض عُراها، إلى ملاذات الاستشارة،
وتنظيرات فنون الحياة، وأصحاب مفاتيح السعادة الأبدية.
فينتظرون في طوابير ساقتهم عليها الحياة، لما سيقوله المخلّصون،
في حكمهم على ما سمعوا من ظروف، وما أُطلعوا عليه من أسرار، فَهُم
وإن ملأتهم الرغبة -وأقصد الشريكين هناـ في الاستماع لهؤلاء، يملؤهم
التعنت في عدم الاستماع لبعضهم البعض، وما دروا أنهم ما هرعوا إلا
ليكونوا مع بعضهم البعض، لكن بَهرجة الخلاص السريع، أسهل من السلوك
في دربه الوعر، وما سلوك دربه إلا سلوك لدروب الذات، بعيدا عن الأبواب
المغلقة في جلسات الاستماع وهواتف الحديث الطويل، ومرات الزيارة
المدرارة، فما الذي جرى؟
من يظن أن وضع قواعد للمشاعر الإنسانية بخطوات تُكتب وتُدرّس،
هو الملاذ من تعقيدات هذه المشاعر ودهاليزها، فقد فارق الذوق القلبي،
وأصل الخلقة الأولى، ونفخ الروح فينا
ينبهر الخلق بالبضاعة المنتشرة عن فنون العيش وأسرار النجاح، يدعمها
بذلك سلطان اللغة المنمقة، وثقة المتحدث المنطلق من أمام الشاشة أو خلف
ديكور البرنامج، ونماذج الزيف المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي،
والتي بالغت في إظهار كمالها من خلف عدسة الصورة المنمقة والمعالجة
بالبرامج والمنتقاة بعناية.
ثم يُطل صاحب المشورة الخبير، وباني صرح المجتمع الجهبذ، بتعداد
الأسباب على أصابع يديه، ليخبرك ببساطة، أن الأمور هنا، فهو قادر
على ذكرها وعدها، والوصول بك إلى شاطئ الأمان، متناسيا أن الحياة كلها
محيط، وأن الأصل في الرحلة هو الموج المتلاطم، لا الشاطئ البذخ، وإلا
فليبق كل شريك في موقعه دون خوضٍ أو مشاركة. مع أن ما يقدمه صاحب
المشورة، يؤسس لشركة ناجحة، وحربٍ لا خسارة فيها بين متحاربين اثنين،
لا شريكي حياة.
ثم عندما لا تنجح شروط تحصين العلاقة، وتتهاوى رغم المشورة، وتدرك
أن أسباب تمتينها هي نفسها أسباب التهالك، وأنه لا يوجد قوة تُمسك على
الشريكين شراكتهما إلا قلب نابض، ومودة سابقة على رحمة من لدنه. لكن
أنّا لمؤسسي الشركات أن يفهما الشراكة، وأنّا لدعاة الحرب وتجار سلاحها
أن يجنحوا لسلم الحب؟
إن الظن بالقدرة المطلقة على تلقين الناس كيفية عيشهم، وتكوين شراكاتهم،
نابعة من" أنا" مفرغة فارغة، وفقاعة وهم بفهم مطلق للحياة، وممارسة
لديكتاتورية مصغرة وانتقام لواقع سابق، وربما محاولة للهروب من واقع
معاصر، أما القبول بتمرير هذه القدرة من قبل شريكي الحياة، فهو مرتبط
بفهم ووعي ووجهة نظرهما للحياة، وما نَضَحَهُ المجتمع في عقولهما
عن مفاهيم العلاقة والشراكة والبيت والأسرة، وفكرة المخلص الخارجي، والتي
تنفي ذواتنا الداخلية التي بيدها كل شيء. وحتى في حالات إصلاح ذوي
القربى والحَكَم الذي يُبعثُ بينهما، تعوّل الآية عليهما بقولها
{ إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا }
فالإرادة لهما ليحدث التوفيق، وإن كان الحكم من أهلهما
وإن كان المستشار خبيرا.
من يظن أن تقعيدا -أي وضع قواعد- للمشاعر الإنسانية بخطوات تُكتب
وتُدرّس، هو الملاذ من تعقيدات هذه المشاعر ودهاليزها، قد فارق الذوق
القلبي، وأصل الخلقة الأولى، ونفخ الروح فينا. فما العلاقة الإنسانية إلا هذا
الأصل والأساس والباقي تفاصيل، ودون إغفال للتفاصيل، فهي تذوب في
بوتقة الحب لا حسابات الإغداق، وإلا ماذا نصنع بأسباب العلاقة إذا انتفت؟
وبنقاط التقاطع إذا اضمحلت؟ لكن لا تقل لي ماذا نصنع بالحب؟
بل ماذا يصنع الحب بنا؟
يقول أحد العارفين: "كل حب معروف الأسباب لا يعول عليه" والشركة
معروفة الأسباب، حاضرة الشروط، أما الشراكة، فبلا سبب؛ إحساس عالٍ
بالرغبة في العطاء دون شروط، نفحة علوية، غير مفهومة التدفق، فهل يعي
متشدقوا المشورة المادية، وإن زعموا أنها تربوية أسرية، أنه
{ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ }؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق