نفحات الرحمة
تقاذفتها الهموم والأحزان فقد ابتليت بالعديد من الأمراض وهي ما زالت
في زهرة شبابها ما أعاقها عن إكمال دراستها .. ونغص عليها العيش
وهي ما زالت عروس..زارت العديد من الأطباء وتناولت الكثير من
الأدوية لكن الحال لم يتغير كثيرا.. فما تكاد تخرج من مرض حتى تقع
فريسة للآخر.. حتى هزل جسمها وتدهورت حالتها النفسية .
فأشار عليها بعض الأصدقاء بالذهاب إلى الرقاة (المشايخ) فذهبت إليهم؛
لكنها تعرضت لكثير من المتاعب النفسية فقد رأت في عيادتهم الكثير من
الحالات التي لها الرعب والهلع مما جعلها تحجم عن الذهاب إليهم . قاست
وعانت الكثير وكان مما زاد من معاناتها وألمها أنها لم تنجب مع أنه
مضى على زواجها العديد من السنوات كانت ترغب في الإنجاب مع
ما تعانيه من آلام.. كانت دائما ترى نفسها محطمة، فهي لم تكمل
دراستها، ولم تهنأ بزواجها، ولم ترزق بمولود يضفي على حياتها الكئيبة
شيئا من المرح..دائما تُرى منكسرة حزينة عينها تدل على آلام عميقة
تخفيها.. كل من يراها يحزن عليها، ولكنها مع ذلك كانت متحلية بالصبر
معتمدة على الله..مسلمة أمرها إليه، وكان ذلك التعلق بالله يفتح أمامها
الأمل في تفريج الكربة وزوال الهم والغم والمرض ..ولقد قررت بعد
ما رأت عجز الأطباء والرقاة عن نفعها وعلاجها أن تترك كل الأدوية
إلا الضروري منها، وأن ترقي هي نفسها، وتدعو الله تعالى، وتلح عليه
فهو الفرد الصمد الذي تلجأ إليه جميع الخلائق في احتياجاتهم، ولا يحتاج
هو لأحد.. وهو السميع المجيب المغيث.. الذي يسمع أنين المهمومين،
وآهات المرضى والمكروبين.. وهو القادر الذي لا يعجزه شيء
في الأرض ولا في السماء .
فتعلقت بالله تعالى وتوجهت إليه بقلب خاشع ونفس منكسرة.. طرحت
نفسها بين يديه، وأسلمت أمرها إليه، ورضيت بقضائه وقدره عليها؛
لكنها دعت بزوال الهم والغم والمرض..لم تيأس ولم تمل ولم تنس
أن تتصدق وتتقرب إلى الله بكل عمل صالح.. لقد قطعت رجاءها بالخلق
واتجهت إلى الخالق فلم يخيبها رب البرية من يفرح بعبده إذا لجأ إليه
مع غنى الله عنه، وبعد مدة ليست بالطويلة.. تحسنت حالتها شيئا فشيئا،
ثم يسّر الله لها إكمال دراستها، ثم رزقها الله بالولد الذي قرّت به عينها
وعوضها الله تعالى عن أيام صبرها ومعاناتها وحرمانها التي دامت
سنوات عديدة، وعلمت أن من كان مع الله كان الله معه، ومن توكل
على الله فلن يخيبه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق