أي
أقمها لنستريح بها من مقاساة الشواغل
كما يستريح التعبان إذا
وصل إلى مأمنه و منزله و قرَّ فيه ،
و سكن و فارق ما كان فيه
من التعب و النصب.
و تامل كيف قال صلى الله
عليه وسلم :
( أرحنا بالصّلاة
)
و لم يقل : أرحنا منها
، كما يقوله
المتكلف الكاره لها ،
الذي لا يصليها إلا على
إغماض و تكلف ،
فهو في عذاب ما دام فيها
، فإذا خرج منها وجد راحة قلبه و نفسه
؛
و ذلك أنَّ قلبه ممتلئ
بغيره ، و الصلاة قاطعة له عن أشغاله
و محبوباته الدنيوية ،
فهو معذَّب بها حتى يخرج منها ،
و ذلك ظاهر في أحواله
فيها ، من نقرها ،
و
التفات قلبه إلى غير ربه ، و ترك الطمأنينة و الخشوع فيها
،
و لكن قد عَلِمَ أنَّه
لا بدّ له من أدائها ، فهو يؤديها على أنقص الوجوه
،
قائل بلسانه ما ليس في
قلبه و يقول بلسان قلبه حتى نصلي
فنستريح من الصلاة ، لا
بها. فهذا لونٌ و ذاك لونٌ آخر .
ففرق
بين :
* مَن كانت الصلاة
لجوارحه قيداً ثقيلاً ،
و
لقلبه سجناً ضيقا حرجاً ، و لنفسه عائقا
،
*
و بين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيماً ،
و
لعينه قرة و لجوارحه راحة ، و لنفسه بستاناً و
لذة.
فالأول
:
الصلاة سجن لنفسه
،
و تقييد لجوارحه عن
التورط في مساقط الهلكات ،
و قد ينال بها التكفير و
الثواب ،
أو ينال من الرحمة بحسب
عبوديته لله تعالى فيها ،
و قد يعاقب على ما نقص
منها.
و
القسم الآخر :
الصلاة
بستان له ، يجد فيها راحة قلبه ،
و قرّة عينه ، و لذَّة
نفسه ، و راحة جوارحه ، و رياض روحه ،
فهو فيها في نعيم
يتفكَّه ، و في نعيم يتقلَّب يوجب له القرب الخاص و الدنو
،
و المنزلة العالية من
الله عزَّ و جل ، و يشارك الأولين في ثوابهم
،
بل يختص بأعلاه ، و
ينفرد دونهم بعلو المنزلة و القربة ،
التي
هي قدر زائد على مجرد الثواب .
أسرار
الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم
الجَوزيَّة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق