و
لهذا كان بعض الصادقين إذا فارق السماع
بادر
إلى تجديد التوبة و الاستغفار ،
و أخذ في أسباب التداوي
التي يُدفع بها موجب أسباب
القبض و الوحشة و البعد.
و
هذا القدر إنما يعرفه أولوا الفقه في الطريق أصحاب الفِطَن
،
المعتنون بتكميل نفوسهم
، و معرفة أدوائها و أدويتها و الله
المستعان.
و لا ريب أن الصادق في
سماع الأبيات قد يجد ذوقاً صحيحاً إيمانياً
،
و لكن ذلك بمنزلة من شرب
عسلاً في إناء نجس.
و النفوس الصادقة ذوات
الهمم العالية رفعت أنفسها عن الشراب
في ذلك الإناء تقذراً له
، ففرت منه لاستقامتها و طهارتها ،
و علو همتها فهي لا تشرب
ذلك الشراب إلا في إناء يناسبه ،
فإذا لم يجد إناء يناسبه
صانت الشراب عن وضعه في ذلك الإناء ،
و
انتظرت أن يليق به.
و غيرها من النفوس تضع
ذلك الشراب في أي إناء انفق لها ؛
من
عظام ميتة أو جلد كلب أو خنزير أو إناء خمر
،
طالما ما شرب به الخمر
،
أو لا يستحي الغراب أن
يشرب أطيب شراب
و ألذه في هذه الآنية ؟
و
لو جرَّد الصادق ذلك في حال سماعه لوجد ذوقه من ذلك
،
و لكن حلاوة العسل تغيب
عنه نتنه و قذره و أثر قبحه
على
قلبه في تلك الحال ، فبعد مفارقته يوجب له ذلك وحشةً و قبضاً
،
هذا إذا كان صادقاً في
حاله مع الله و كان سماعه لله و بالله.
و
أما إن كان كاذباً كان سماعه للذة نفسه و حظه فهو يشرب النجاسات
في
الآنية القذرات و لا يحس بشيء مما ذكرناه ؛
لاستيلاء
الهوى و النفس و الشيطان عليه.
و
أما صاحب السماع القرآني الذي تذوَّقه ، و شرب منه
،
فهو يشرب الشراب الطهور
، الطيب النظيف في أنظف إناءٍ ،
و أطيبه ، و أطهره
.
فالآنية ثلاثة :
نظيف
،
و نجس
،
و
مختلط.
و الشرابات ثلاثة
:
طاهر
و
نجس
و ممزوج
.
أسرار
الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق