كان سعيد بن جبير إمام الدنيا في عهد الحجاج،
وكان الإمام أحمد إذا ذكره بكى وقال: والله لقد قتل سعيد بن جبير، وما أحد على الدنيا من
المسلمين، إلا كان سعيد بن جبير إمام الدنيا في عهد الحجاج، وكان الإمام أحمد إذا
ذكره بكى وقال: والله لقد قتل سعيد بن جبير، وما أحد على الدنيا من
المسلمين، إلا وهو بحاجة إلى علمه.
قتله الحجاج، قتل وليّ الله،
الصوّام القوّام، محدث الإسلام وفقيه الأمة، وافتحوا كتب التفسير والحديث والفقه،
فسوف تجدون سعيد بن جبير في كل صفحة من صفحاتها.
كانت جريمة سعيد بن جبير، أنه عارض الحجاج، قال له
أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؛ ليريح نفسه من
الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك
الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صباحه على المسلمين، في يوم فجع
منه الرجال والنساء والأطفال.
وصل الجنود إلى بيت سعيد بن جبير ، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد بن جبير ذلك الطرق المخيف، ففتح
الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج
يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب،
واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة
التي لا ترام، اكفني شرّه.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان
يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد بن جبير على الحجاج، وقد جلس مغضباً،
يكاد الشرّ يخرج من عينيه.
قال سعيد بن جبير: السلام على من اتبع الهدى –
وهي تحية موسى لفرعون -.
قال الحجاج: ما اسمك؟
قال سعيد بن جبير: اسمي سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن
كسير.
قال سعيد بن جبير: أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت
أمك.
قال سعيد بن جبير: الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج: ما رأيك في محمد
صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد بن جبير: نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج: ما رأيك في علي؟
قال سعيد سعيد بن جبير: ذهب إلى الله، إمام هدى.
قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟
قال سعيد بن جبير: ظالم، تلقى الله بدماء
المسلمين.
قال الحجاج: علي بالذهب
والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .
قال سعيد بن جبير: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت
جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً
وعتوّاً، فو الذي نفسي بيده، الفزعة في يوم
العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قال الحجاج: عليّ بالعود
والجارية.
لا إله إلا الله، ليالٍ حمراء،
وموسيقى والهة، والأمة تتلظى على الأرصفة!!.
فطرقت الجارية على العود وأخذت
تغني، فسالت دموع سعيد بن جبير على لحيته وانتحب.
قال الحجاج: مالك، أطربت؟
قال سعيد بن جبير: لا، ولكني رأيت هذه الجارية
سخّرت في غير ما خلقت له، وعودٌ قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما
نضحك؟
قال سعيد بن جبير: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في
القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن
إذن؟
قال سعيد بن جبير: اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج: لأبدلنك من
الدينار ناراً تلظى.
قال سعيد بن جبير: لو كان ذلك إليك لعبدتك من
دون الله.
قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما
قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد بن جبير: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة
تشاءها، فو الله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك
الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: اقتلوه.
قال سعيد بن جبير: وجهت وجهي للذي فطر السموات
والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجّهوه إلى غير
القبلة.
قال سعيد بن جبير: فأينما تولوا فثمّ وجه الله [البقرة:115].
قال الحجاج: اطرحوا أرضاً.
قال سعيد بن جبير وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها
نخرجكم تارةً أخرى [طه:55].
قال الحجاج: أتضحك؟
قال سعيد بن جبير: أضحك من حلم الله عليك،
وجرأتك على الله!!.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد سعيد بن جبير: اللهم لا تسلط هذا المجرم
على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير ، واستجاب الله دعاءه، فثارة
ثائرة بثرة في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا
يذوق طعاماً ولا شراباً، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت
كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.
مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون
أمام الله – تعالى – يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟
يوم يقف الحجاج وحيداً،
ذليلاً، لا جنود، ولا حرس، ولا خدم، ولا بوليس، ولا جواسيس. إن كل من في السموات والأرض
إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً [مريم:93-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق