من:' الإحسان: حقيقته - فضله – طرقه' للشيخ/
عبد المحسن العباد
الإحسان في
اللغة:ضد الإساءة, وهو مصدر أحسن إذا أتى بما هو حسن.
وفي الاصطلاح: الإتيان بالمطلوب شرعًا على وجه
حسن.
وقد أوضح صلى
الله عليه وسلم الإحسان في حديث جبريل عليه السلام
المشهور حين سأله
عن الإسلام و الإيمان، فأجابه عن كل منهما,
وكان جوابه عند
ما سأله عن الإحسان أن قال:
[أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ]
رواه البخاري
ومسلم.
فقد بيّن
صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث معنى الإحسان:
وهو أن
يفعل الإنسان ما تعبّده الله به كأنه واقف بين يدي الله,
وذلك يستلزم تمام
الخشية والإنابة إليه سبحانه,
ويستلزم
الإتيان بالعبادة على وفق الخطة التي رسمها رسوله صلى الله عليه
وسلم.
وقد ضمّن صلى
الله عليه وسلم جوابه عن الإحسان بيان السبب الحافز على الإحسان لمن لم
يبلغ هذه الدرجة العالية, والمنزلة الرفيعة,
ألا وهو: تذكير
فاعل العبادة بأن الله مطلع عليه,
لا يخفى عليه شيء
من أفعاله, وسيجازيه على ذلك, إن خيرًا فخير,
وإن شرًا
فشر, ولا شك أن العاقل إذا تذكر أن الله رقيب عليه أحسن
عمله,
رغبة فيما
عند الله من الثواب للمحسنين,
و خوفًا من
العقاب الذي أعده للمسيئين :
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ
قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[37]}
[سورة
ق].
فضل الإحسان:
ولمزيد عناية
الإسلام بالإحسان وعظيم منزلته؛ نوه سبحانه بفضله,
و أخبر في
كتابه العزيز أنه يحب المحسنين, وأنه معهم,
وكفى بذلك
فضلًا وشرفًا, فقال سبحانه:
{...وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ[195]}
[سورة
البقرة].
وقال:
{
فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[148]}
[سورة آل عمران].
وقال:
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[128]}
[سورة النحل].
وقال:
{
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[69]}
[سورة
العنكبوت].
جزاء المحسنين:
ومن رحمة الله
وفضله أن جعل الجزاء من جنس العمل,
ومن ذلك أنه جعل
ثواب الإحسان إحسانًا كما قال:
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا
الْإِحْسَانُ[60]}
[سورة
الرحمن].
طرق الإحسان:
والإحسان مطلوب
في العبادات والمعاملات،
فأي عبادة
افترضها الله على العبد فإن عليه أن يأتي بها
على الوجه الذي
رضيه سبحانه من إخلاصها له،
وموافقتها لشريعة
نبيه صلى الله عليه وسلم,
وكما أن
الإنسان يحب لنفسه أن يعامله غيره معاملة حسنة,
فإن عليه
أن يحسن إلى غيره, ويعامله بمثل ما يحب أن يعامل به هو,
ذلك بسلوك طرق
الإحسان التي نتعرض لبعضها فيما يلي على سبيل الاختصار:
1-
الإحسان بالنفع البدني:
وذلك
بأن يجود ببذل ما يستطيعه من القوة البدنية في تحصيل المصالح ودفع
المفاسد,
فيمنع الظالم من الظلم, و يميط الأذى عن
الطريق- مثلًا-,
وهذه
الطريق هي التي عناها صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث المتفق
عليه:
[كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ
صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ
الِاثْنَيْنِ
صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى
دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ
صَدَقَةٌ
وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ
وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ
وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ
صَدَقَةٌ].
2-
الإحسان بالمال: ومن وسّع الله عليه الرزق, وآتاه
المال؛
فإنّ
عليه أن يشكر الله على ذلك بصرفه في الطرق التي شرعها,
فيقضي
الحاجة, ويواسي المنكوب, ويفك الأسير, ويقري الضيف,
ويطعم الجائع؛ تحقيقًا لقوله
سبحانه
:{...وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ
إِلَيْكَ...[77]}
[سورة
القصص].
3-
الإحسان بالجاه:
وإذا لم
يتمكّن المؤمن من قضاء حاجة أخيه وإيصال النفع إليه,
فعليه أن يكون عوناً له في سبيل تحصيلها,
وذلك
بالسعي معه لدى من يستطيع ذلك؛
إقتداء
برسول الله صلى الله عليه وسلم, وامتثالًا لأمره,
فقد شفع
صلى الله عليه وسلم لمغيث لدى زوجته بريرة رضي الله عنها,
وأمر
أصحابه بالشفاعة فقال:
[اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا...]
رواه
البخاري ومسلم.
4-
الإحسان بالعلم:
وهذه الطريق مع التي تليها أعظم
الطرق و أتمها نفعًا؛
لأن
هذا الإحسان يؤدي إلى ما فيه سعادة الدنيا والآخرة,
وبه يعبد
الله على بصيرة,
فمن
يسر الله له أسباب تحصيل العلم وظفر بشيء منه؛
كانت
مسئوليته عظيمة,
ولزمه
القيام بما يجب للعلم من تعليم الجاهل،
وإرشاد الحيران, وإفتاء السائل,
وغير ذلك
من المنافع التي تتعدى إلى الغير .
5-
الإحسان بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
ولم تكن أمة محمد - صلى الله عليه
وسلم - خير أمة أخرجت للناس إلا بسلوكها تلك الطريق,
كما
أنّ بني إسرائيل لم يلعن من لعن منهم على لسان أنبيائهم إلا لتخليهم عن
ذلك الواجب من عدم اكتراثهم بارتكاب المنكرات,
قال
الله تعالى في حق هذه الأمة:
{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ...[110]}
وقد جعل النبي
صلى الله عليه وسلم إنكار المنكر
على ثلاث مراتب
إن لم تحصل المرتبتان الأوليتان،
فلا أقل من
الثالثة التي هي أضعف الإيمان,
كما روى ذلك مسلم
في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
حيث قال
صلى الله عليه وسلم:
[
يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ
وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ].
من:'
الإحسان: حقيقته - فضله – طرقه' للشيخ/ عبد المحسن
العباد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق