د.مالك الاحمد
لست في مقام تسطير بحث منمق
أو فلسفي حول تطور اليابان ونجاحها
الاقتصادي،
لكن هي شذرات قلم من زيارة لليابان أطلعت خلالها
على الكثير من ثقافات هذا
الشعب
والتي
في ظني
ساهمت في هذا النجاح الاقتصادي
والتكنولوجي...
يتميز الشعب الياباني بالعمل الجماعي ..
بل
يقدس العمل الجماعي ويعتقد أن لا نجاح بدونه
..
وعندما
يختار رجل لموقع مسئولية فإنه
ابتداءاً يتحمل مسئولية
هذا الاختيار أولاً
ثم
أن المجموعة أو الفريق منقادون
تماماً
لأوامره فهي محل تقدير
واحترام شديد جداً..
في العمل الجماعي لدى اليابانيين يذوب
الفرد
ويصبح
ترساً في آلة،
ملتزماً تنفيذ المهمة الموكل إليها ولا يطالع
غيره
أو
يقارن مع عمل صاحبه..
العمل الجماعي لديهم أقرب إلى العبادة
من شدة التفاني فيه سواء من الرئيس إلى
المرؤوس،
وهذا
الأمر ليس قاصراً على خط محدد
أو مجال معين بل تجده في كل مناحي
الحياة..
في الرياضة رئيس الفريق مطاع ومحل تقدير كامل
واحترام..
والرئيس لا ينظر على
الأمر بأنه تشريف بل تكليف
ومسئولية لذلك تجده مع
الفريق قلباً وقالباً..
يحضر
تمارينهم في أول الصباح قبل المدرسة
طلاب المدارس الثانوية على سبيل
المثال،
ويجلس
معهم بعد نهاية الدراسة لإكمال التدريبات
...
يحزن
ويبكي -كما رأيته بعيني- إذا خسروا
ويتحمل مسئولية الخسارة شخصياً
..
كما
يفرح ويسعد بنجاحهم...
في الروضة رأيت أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم
الرابعة
يقسمون
-في الفصل- إلى مجموعات
وتطلب
المدرسة من كل مجموعة أن تختار قائداً ..
ثم تكلفه بمهمة وتطلب منه أن يناقش الأمر مع
مجموعته
أو
ينفذ العمل المكلف به مع المجموعة
في الجامعة أطلب من بعض طلابي تكوين
مجموعات
لحل
مسائل معينة فتجد 7 متكومين مع بعضهم
واثنان مع بعضهم،
أما
اختيار رئيس للمجموعة فهي معضلة لديهم
..
والحقيقة أني لا ألومهم
فهم لم يدربوا
على ذلك ولم ينشئوا عليه.
الأمر الأخر العمل وإجادته ...
بالطبع هم أكثر شعوب العالم اهتماماً بالعمل
واقل الدول إجازات،
وقد
يمر على الموظف عدة سنوات وهو لم يأخذ إجازة.
العمل لديهم مقدس إتقانه مسئولية وأمانة
كبيرة..
على المستويات الكبيرة
والصغيرة،
السياسية أو الصناعية
وحتى الخدماتية ..
اشترينا شاياً أخضراً من محل متخصص
بذلك
وصاحبي
طلب 10 علب وألح على التخفيض لكن العاملة
بالإشارة طبعاً فهي لا تفهم الإنجليزية
رفضت رفضاً قاطعاً وبابتسامة عريضة
..
عندها
طلب صاحبي هدية
بناءاً على الكمية الكبيرة التي
اشتراها،
أيضاً
رفضت وبأدب كبير ..
فهي في
النهاية مسئولة عن المحل والبضاعة بالكامل..
إجادة العمل رأيته في عامل النظافة
الذي يبذل جهداً كبيراً في إزالة الأوساخ اليسيرة
المختفية ..
إجادة
العمل تراه في كل مكان ..
في
الجامعات والمؤسسات التجارية التي زرناها
ومعاهد التقنية التي اطلعنا على
نشاطها...
البضاعة اليابانية أصبحت الآن رمزاً للجودة ودليلاً
على كمال الصنعة
.
في الحرب العالمية الثانية دكت طوكيو دكاً وتقريباً
محيت عن الخريطة..
وها
أنا أراها الآن أفضل من نيويورك،
وأنظف
من لندن،
وأجمل
من كثير من مدن العالم المتحضر..
كل ذلك بالعمل الجاد الدؤوب
وإنكار الذات والعمل
الجماعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق