الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
♦ الملخص:
شخص زوجته بينها وبين أهل زوجها مشكلات كثيرة، أدتْ إلى
منعها للأولاد مِن السلام عليهم أو صلة رحمهم.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ متزوج مِن فتاة جامعية، لا أعيب عليها خُلُقًا أو دينًا، فيها كثيرٌ
مِن الصفات الحسنة، مِن رعاية زوجها، والاهتمام بأبنائها، وعدم
التقصير في بيتها.
المشكلة أن زوجتي كثيرة الانفعال والتوتُّر، وبينها وبين أمي وأخواتي
البنات خلافٌ شديد، بسبب بعض الصفات السلبية في أخواتي؛ ممَّا أدَّى
إلى قيام زوجتي بإعلان حالة الطوارئ، ورفض رؤية أبنائي لأمي
وأخواتي، بل وحرَّضتْ الأولاد على عدم السلام عليهنَّ أو مصافحتهنَّ!
أنا أتألَّم مِن حزن أمي على فِعْل زوجتي، وكذلك أتألَّم على كَسْر أخواتي
بتلك الطريقة، وحرمانهنَّ من الأولاد.
والسؤال: هل لزوجتي الحقُّ في قَطْع صلة الرحم بتلك الطريقة وتهديدها بترك البيت؟
فكرتُ في شراء مسكنٍ بعيدٍ عن أمي وأخواتي لأحلَّ تلك المشكلات.
فما رأيكم بارك الله فيكم؟
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه
ومَن والاه، أما بعدُ:
فجزاك الله خيرًا أيها الأخُ الكريمُ لِحِرْصك على إنصافِ زوجتك، والثناءِ
على دينِها وخُلُقِها في ظلِّ هذه المشكلات التي تختلطُ فيها الأمورُ،
وتَطيشُ فيها السِّهامُ، ويُنسى فيها المعروفُ، ويَنْدُر فيها الإنصافُ.
تعلَم - سلَّمك الله - أنَّ المشكلاتِ الأسريَّةَ مِن هذا النوعِ الذي ذَكَرْتَهُ،
لا تكاد تخلو منها أسرةٌ فيما أعلَمُ؛ وإنما تَتَنَوَّع في أشكالِها وأسبابه
ا وصُوَرِها، ومعرفةُ هذا مما يَدْفَعُ الإنسانَ للهُدُوء والتروِّي؛ لأنَّ ما هو
فيه ليس بالأمر الفريد ولا العجيب؛ وإنما هي صورٌ متطابقةٌ ومتكرِّرةٌ،
ومِن ثَم يكون البحثُ عن طُرُقٍ هادئة للعلاج، والاستفادة من التجارب السابقة.
والخطوةُ الرئيسةُ في العلاجِ تَكْمُنُ في الحِرصِ على العدل، وإعطاءِ كلِّ
ذي حقٍّ حقَّه، والبُعدِ عن المحاباة والجَوْر، فلا تراعِ طرَفًا على حسابِ
آخَرَ، ثم السعيِ الحثيث لِبَثِّ رُوح الأُلْفةِ والموَدَّةِ، بتَضييقِ مَداخل الشيطان،
والبُعد - قَدْر المستطاعِ - عن أسباب الشَّحناء والبَغضاءِ،
وهذا - بلا شكٍّ - سهل باللسان صعب بالأفعال، ولذلك يحتاج إلى جهاد ووقتٍ وجهدٍ
وحُسنِ تصرُّف؛ فصِلَةُ الرَّحِم أسمى وأغلى ما يُسْعَى إليه.
وأول ما يجب عليك أخي الكريم هو ترتيب أَوْلَوياتك، وأن تبدأ بالأهمِّ
فالمهمِّ، وتأتي في المرتبةِ الأولى صلةُ أمِّك ورعايتُها وتلبيةُ رَغباتها،
ومساعدتها ماديًّا إن كانتْ محتاجةً؛ فهذا هو اللائق بمنزلة الأم،
وقد أجْمَعَ أهلُ العلم على وُجُوب النفقةِ للأمِّ إن كانت مُعسِرة محتاجة؛
ولكن لا تُخْبِرْ زوجتَك بما تفعَلُه معها إن كان ذلك يُغضِبُها، أو يكون
سببًا للخلاف بينكما، وفي المعاريضِ مَنْدُوحةٌ عن الكذب، والرجلُ
هو رئيسُ البيتِ، ويجب أن يَتعامَلَ بالحكمة واللطف، فيَحْفَظ ودَّ زوجِه،
ويعرف حقَّ أمِّه وفضلَها، ويصل أخواتِه؛ فيَجْمَع بين الحُسْنَيْينِ.
وفي الصحيحينِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء
رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله،
( مَن أحقُّ الناس بحُسْن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثُم مَن؟
قال: ((ثم أمك))، قال: ثُم مَنْ؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثُم مَن؟
قال: ((ثم أبوك))، وزاد مسلم: ((ثم أدناك أدناك)).
وزوجتُك يَجِب أن تَفْهَمَ هذا جيِّدًا، وتعلم أنَّ حقَّ أمِّك مُقَدَّمٌ على حقِّ مَن
سواها، وأنه لا مجالَ للمناقشةِ ولا للتماحُل، خصوصًا أنَّ زوجتك صاحبة
دينٍ وخُلُق، وتلك المزِيَّةُ خليقةٌ أن تُرَغّبَها في الصبر والاحتساب، وأن
تُعينَك على صلة أهلك، وليس العكس، ولا شك أنَّ منعَها لوالدتك مِن
رؤيةِ أحفادها، وتربيتَهم على قطيعة الرحمِ بالصورة التي ذَكَرْتَ
- مِن الحرام القطعيِّ، وزَيْغٌ عن سواء السبيل، وحِرْمانٌ مِن التوفيق،
نسأل الله السلامة والعافية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق