المسألة الثانية:
استقامة المجتمع بالأخلاق الإسلامية وسلامته من الشرور:
إن مهمة الإصلاح المتمثلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها
دور عظيم في فلاح المجتمع ورقيه، فهو دعامة من دعائم الاجتماع الإسلامي،
وركيزة من أهم ركائزه، به يستقيم العوج، وتُطارد الرذائل، ويُمكنّ للفضيلة،
فترتفع شجرة الخير، وتتمدد أغصانها وينال الجميع
من ثمارها الطيبة فينعم الناس بالأمن والرخاء
([10]).
وهذا ما حدث في صورته العملية في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين ،
حيث ظهرت آثار الأخلاق الإسلامية واضحة في صلاح
نفوس النساء وتماسكهن مع أفراد المجتمع، لإتباعهن التوجيه الإسلامي لتزكية
النفوس وتطهيرها من الشرور فكانت أخلاقهن الكريمة هي
المسيرة لسلوكهن في المجتمع.
ومن هذه الأخلاق:
أولاً: البر والصــلة:
قال تعالى:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا *
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
([11]).
هذه الآية الكريمة فيها الأمر من الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين وعدم
رفع الصوت والتأفف منهما. فحرصت النساء في صدر الإسلام على البر
بوالديهن والإحسان إليهم، فعن أسماء بنت أبي بكر
أنها قالت: يا رسول الله! إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة أفاصلها؟
قال: (نعم صليها).
فأسماء رضى الله عنها لم ترد والدتها المشركة واستأذنت النبي
الكريم صلى الله عليه وسلم في صلتها فأذن لها عليه الصلاة والسلام
لعظم حق الأم.
ومن خلال موقف أسماء رضى الله عنها يتبين حرص النساء على البر
والصلة لما له من الأثر العظيم في الترابط الأسري والتماسك الاجتماعي.
ثانياً: البذل والعطاء:
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم}
([12]).
حث القرآن الكريم على الإنفاق في سبيل الله ، وأمر النبي الكريم
عليه الصلاة والسلام النساء بذلك لعظم فضيلته فقال عليه الصلاة
والسلام
(... يا معشر النساء تصدقن ...).
وحثهن على الإهداء إلى الجار وصلته بالعطاء لتقوية الروابط
الاجتماعية فقال عليه الصلاة والسلام:
(يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة).
فحرصت النساء على الإهداء إلى بعضهن مما قوى صلة النساء في
ذلك العصر الكريم ببعضهن، فعن أم عطية رضى الله عنها قالت:
بُعث إلى نسيبة الأنصارية بشاةٍ فأرسلت إلى عائشة رضى الله عنها
منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عندكم شيء)؟ فقلت: لا.
إلا ما أرسلتْ به نُسيبة من تلك الشاة.
فقال: (هاتِ فقد بلغت مَحِلها).
فهذا نموذج لنماذج متعددة في البذل والعطاء بين النساء مما يدل على
حسن أخلاقهن وقوة الصلة بينهن، ولم يقتصر إهدائهن على الجار،
وإنما ضربت النساء مثالاً رائعاً في حسن الخلق وصفاء النفوس فيما
بينهن وذلك بإهداء الضرة لضرتها؛ فعن عائشة رضى الله عنها
قالت: ما رأيت صانعاً طعاماً مثل صفية، صنعت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم طعاماً فبعثت به فأخذني أفُكلٌ فكسرت الإناء فقلت:
يا رسول الله: ما كفارة ما صنعت؟ قال:
(إناءٌ مثل إناء، وطعام مثل طعام ).
فصفية رضى الله عنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طعامها
في بيت عائشة رضى الله عنها. ولم تستأثر بهذا الطعام لنفسها أو لحين
قدوم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عليها وإنما بذلت وقدمت لحرصها
على الصلة والترابط، وحينما حدث ما حدث من عائشة رضى الله عنها
أمرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم باستبدال الإناء والطعام
ليدفعها هي الأخرى للبذل والإنفاق ودفع العوض.
فكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على التوجيه إلى تقويم
الأخلاق الإسلامية ودفعها إلى البذل والعطاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق