بر الوالدين وصلة الأرحام
علمني الإسلام أن أكون بارًا بوالدي، واصلًا لأهلي وأقربائي،
فإن والدي ربياني صغيرًا، وتابعا مسيرة حياتي وأنا لا أقدر على الكلام،
ولا أقدر أن أحفظ نفسي من أي مكروه وشملاني بعطفهما وحنانهما،
وأنفقا علي، وعلماني، ونصحاني ووجهاني، حتى قدرت على خوض
متطلبات الحياة، فلهما علي، وخاصة والدتي، حقوق يجب أن ألبيها،
برًا بهما، وردًا لجميلهما، ووفاءً بعهد الله
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا }
[العنكبوت: 8]
فهما أحق الناس بصحبتي واهتمامي، وأرجو من وراء ذلك بركة
وتوفيقًا في الدنيا وأجرًا وثوابًا في الآخرة .
والدائرة الثانية في اهتمامي هي رحمي، أهلي وأقربائي، الذين يعدون
أولى درجات المجتمع، وبتآلفهم وتماسكهم تكون لبنات البنيان محكمة،
قوية وصلبة، وإن التقرب منهم والتعاون معهم والسؤال عنهم باستمرار
يعد أحد المنافذ التي تؤدي إلى الجنة، وإن الإنفاق عليهم فيه أجر الصدقة
وأجر صلة الرحم، وإن من وصل أقرباءه وذويه من رحمه وصله الله،
ومن قطعهم قطعه الله، يعني من رحمته ومن الجنة .
وهذا جانب الترغيب في أدب الإسلام.
أما الترهيب، فقد عد الإسلام عقوق الوالدين من أكبر الكبائر،
كما في الحديث المتفق عليه :
( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟... الإشراك بالله، وعقوق الوالدين.. )
فانظر كيف قورن العقوق بالشرك الأكبرّ لأنه دليل على فساد الإنسان
من الداخل، وبذلك يتوقع انفجار الشر منه، وتأذي من حوله به، فإن
الذي يعق والديه خائن وغادر شرير، لا يؤمن جانبه من أذية آخرين،
من الأهل والأصدقاء والمجتمع. وقد منع المرء من إلحاق أقل الأذى بالوالدين،
حتى لو كانت كلمة فيها تضجر وتأفف، بل حتى نظرة حادة
أو شزرة إلهما، والمطلوب هو القول الجميل والتقرب منهما والتذلل ل
هما، كما قال سبحانه وتعالى :
{ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
[الإسراء: 23 -24] .
وفي جانب الترهيب من قطع صلة الرحم تهديد ووعيد شديد لا يأبه
به كثير من المسلمين، على الرغم من خطورته، والسبب هو غلبة
جانب العاطفة السلبية على المرء، أعني الحقد والضغينة والكراهية التي تملأ جوانب
نفسه ضد أهل له وأقرباء، بحيث تطغى على جانب الطاعة والعبودية
لرب العالمين، وهذا أمر لا يليق بالمؤمن الصحيح الإيمان، فإنه بادر
إلى الطاعة والامتثال، ولا يجد في نفسه حرجًا من تطبيق أمر الله،
لأنه فوق كل شيء، حتى فوق نفسه التي بين جنبيه .
إن الوعيد الشديد هو ما ورد في الحديث المتفق عليه من أن
( الرحم معلقة بالعرش، تقول : من وصلني وصله الله،
ومن قطعني قطعه الله ) .
وقبل ذلك آية كريمة شديدة الوعيد، يمر عليها المسلم
وقد لا يتنبه لمعناها، هي قوله سبحانه وتعالى :
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ،
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ }
[محمد: 22-23]
وعقب هذه الآية التي وردت في حديثٍ بصحيح البخاري :
( فقال الله تعالى : من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعه ) .
وهذا تفسير لكلمات الآية، فإن اللعنة تعني الطرد من رحمه الله ،
نعوذ بالله من ذلك .
جوانب أخرى من البر و الصلة
علمني الإسلام أن أزيد من رقعة البر والإكرام، فضلًا عن الوالدين والأهل،
كأصدقاء الأب، وصديقات الزوجة، وخدمة الأصحاب والأحباب، فإن هذا
من البر والوفاء، وأجمل به أن يكون خلقًا يتحلى به أفراد خير أمة أخرجت للناس .
وانظر إلى بر هذا الصحابي الجليل ووفائه النادر، جرير بن عبد الله
البجلي رضى الله عنه ، الذي لاحظ خدمة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
وتفانيهم في إكرامه، ومسارعتهم إلى ذلك، وإيثاره على أنفسهم وأولادهم،
فتأثر بهذا الموقف كثيرًا ، وانغرس في نفسه خدمة الأصحاب إلى أعمق
الأعماق، وخرج مرة في سفرٍ مع أنس بن مالك، فكان يخدمه،
فقال له أنس لا تفعل، فقال : إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله
صلى الله عليه وسلم شيئًا، آليت على نفسي أن لا أصحب أحدًا
منهم إلا خدمته ! وقد روى هذا الخبر البخاري ومسلم .
فأحرى بنا أن نكون أوفياء مكرمين لمن له فضل علينا، أو على والدينا،
ولا ننسى ودهم وفضلهم، ليبقى هذا الخلق الرفيع فينا،
ونكون جديرين بحياة الخلافة الحميدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق