كيف نشأت اللغة العربية
بواسطة: إسراء عواودة
مكانة اللغة العربية
رغم عدم وجود دليل قطعيّ على أوليّة اللغة العربيّة، إلّا أنّ أدق الروايات
هي التي نادت بأوليّتها وبأنّها أصل اللغات،[١] ولقد شرّف الله تعالى اللغة
العربية تشريفاً لم تحظَ به لغة أخرى في العالم، لا قديماً ولا حديثاً، وممّا زاد
من مكانتها أنّ القرآن الكريم نزل باللغة العربية، وكذلك نزل الوحي على
النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا تُؤدّى الصلاة التي هي ركن أساسي
من أركان الإسلام في جميع بقاع العالم إلا باللغة العربية، سواء أكان المسلم
عربيّاً أم لا؛ ممّا رفع من شأنها وزاد من أهمية الاهتمام بها، وضرورة
الحفاظ عليها، حتى أصبحت اللغة العربية لغة إنسانيّة عالميّة.[٢]
أوّل من نطق العربية
اختلفت الروايات في أوّل من تكلَّم بالعربية؛ فقِيل إنّه يَعرُب بن كنعان، وقد
سُمِّيت اللغة العربية باسمه، وقيل إنّ النبي إسماعيل بن إبراهيم -عليه
السلام- هو أوّل من قُوِّم لسانه بالعربية المُبينة وهو في سن الرابعة عشرة،
وأرجح الروايات أنّ العربية كانت لغة آدم عليه السلام في الجنة.[٣]
وقد ألهمه الله تعالى النُّطق العربي، وعلَّمه الأسماء التي أصبح مُتعارَفاً
عليها الآن بين الناس، مثل: إنسان، ودابّة، وأرض، وبحر، وسهل، وحمار،
وغيرها، كما قال الله تعالى:
{ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ }[٤]
وقِيل إنّ اللسان ظلَّ عربيّاً إلى عهد طويل حتى حُرِّفت اللغة وأصبحت
سريانيّة، وهذا ينفي القول بأنّ العربية أصولها سريانية، أو آرامية.[١]
وقد بيّن بعض المُفسِّرين في تفسيرهم للآية السابقة الأسماء التي علَّمها الله
تعالى لآدم عليه السلام: فمنهم من قال إنّه علّمه كلّ الأسماء، ومنهم من
قال إنّه علَّمه أسماء محدودة، كأسماء الملائكة، وأسماء ذرّيته، وما خَلق
في الأرض والسماء، ومنهم من قال إنّه علَّمه صفات الأشياء.[٥]
نشأة اللغة العربية
يرى بعض اللغويين أنّ اللغة إنّما هي استعداد فطري، جعله الله تعالى
غريزة في آدم؛ ليعبِّر عن كلّ ما هو معنويّ أو ملموس بكلمة خاصة ذات حركة وصوت خاصّ، ثم إنّها انقرضت
لعدم استعمالها.[٥] وقد اختلفت الأقوال حول نشأة اللغة العربية، ففريق يرى أنّ اللغة العربية لغة توقيفيّة مُلهَمة؛
وفريق يراها لغة اصطلاحيّة، وفي ما يأتي بيان ذلك:[٦]
اللغة العربية لغة توقيفيّة: يرى بعض الدارسين لأصل اللغة العربية أنّ
المُسمَّيات وُجِدَت كما هي، وذلك إمّا بالتلقين؛ وهو عَرض المُسمَّيات واحدة
واحدة من خلال سماعها، وإمّا بالإلهام، وهو عَرض وإلقاء العِلم والمُسمَّيات
في نفس المُتلقِّي إلقاء مباشراً.[٥] وفي ذلك يطرح بعض العلماء
أو المُهتمِّين آراءهم في اللغة، ومن ذلك ما يأتي:[٦]
اعتبر المصريّون القدماء اللغة منحة من إله السماء، إله الحكمة،
وقد استقبلها الإنسان كما هي.
قال اليونانيّ هرقليطس: "إنّ اللغة إلهام هابط من السماء أيضاً، وعِلم
الأسماء يُؤدّي إلى علم الأشياء، لأنّنا حين نعرف حقيقة الاسم نعرف
بالضرورة حقيقة المُسمَّى".
وَرد في سِفر التكوين: "أنّ الرب أحضر الكائنات إلى آدم ليرى ماذا يدعوها،
وكلّ ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها، فدعا آدم بأسماء جميع
البهائم، وطيور السماء، وجميع حيوانات البرية".
جاءت أغلب الأقوال في الإسلام مُبيِّنة أنّ اللغة العربية توقيفيّة؛ اعتماداً
على قول الله تعالى:
{ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ
هَـؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ* قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }[٧]
ويُفسِّر ابن فارس قول الله تعالى بأنّه علَّم آدم ما شاء من أسماء، ثم علَّم بني
آدم ما شاء حتى علَّم النبي محمد عليه الصلاة والسلام ما لم يُعلِّم أحداً من
قبل، ولا نحصر المعنى بتعلُّم الأسماء فقط، وإنّما علَّمه أيضاً الأفعال
والحروف؛ فالتكلُّم بالأسماء فقط لا يتمّ.[٦]
بَيَّن عبده بدوي أنّ اللغة العربية كانت غالبة لغلبة الدِّين
الذي جاء بلسان العرب.
اللغة العربية لغة اصطلاحيّة، وفي ذلك أقوال عديدة تؤكِّد
هذا الرأي على النحو الآتي:
اعتبَرَ ديمقريطس أنّ اللغة ظاهرة اجتماعيّة يتّفق عليها البَشر
ويصطلحون عليها، وتتطوَّر بتطوُّرهم، وهي ليست سماويّة.
اعتبرَ الجُبّائي أنّ الإلهام في اللغة لا يكون إلّا بَعد وَضْعها بصِيَغ مُعيَّنة.
وضَّح ابن جني أنّ أصل اللغة من وَضْع حكيمَين أو ثلاثة اسماً
ولفظاً لكلّ شيء.
وقِيل إنّ اللغة تطوَّرت من خلال المُحاكاة، إذ كانت عبارة عن حركات
وإشارات وانفعالات، ثم أصبحت أصواتاً ألهمَها الله تعالى للإنسان،
وهذا لا يتنافى مع وَصف اللغة بأنّها توقيفيّة، ثم تطوَّرت أكثر
حتى وصلوا إلى التعبير عنها بالكتابة.[٥]
وممّا سبق يمكن التوفيق بين هذه الآراء كلِّها؛ إذ يمكن اعتبار اللغة توقيفاً
وإلهاماً في الأَصل، ثمَّ وَضع الناس عبر التاريخ ألفاظاً مُعيَّنة واصطلحوا
عليها، ومن ثَمَّ وضعوا بعض الألفاظ مُحاكاة للأصوات الموجودة
في الطبيعة، فحصل لأجل ذلك كلِّه اختلافُ اللغات وتبايُنها.[٥]
الخلاف في منشأ اللغة العربية
نشأت اللغة العربية الفصيحة في شمالي الجزيرة العربية، ويرجع أصلها إلى
العربية الشمالية القديمة التي كان العدنانيّون يتكلَّمون بها، وتُصنَّف اللغة
العربية ضمن مجموعة اللغات الساميّة الوُسطى، أي ضمن اللغات السامية
الشمالية الغربية، وتشمل اللغة الآراميّة، والعبريّة، والكنعانيّة وهي أقرب
اللغات الساميّة للعربية، وتختلف العربية الشمالية عن العربية الجنوبية
القديمة التي نشأت في جنوبي الجزيرة، المعروفة باللغة الحِميَرية التي
تكلَّم بها القحطانيّون.[٣]
اللغة العربية أقدم اللغات
إنّ اللغة العربية هي أقدم اللغات؛ فقد استطاعت الحفاظ على أدبها
وخصائصها من حيث مفرداتها، وتراكيبها، وقواعد نحوها، وصَرْفها،
وهذا لا ينفي أنّ باقي اللغات كالعبريّة، واليونانيّة، واللاتينيّة، والسنسكريتيّة
هي لغات قديمة أيضاً، إلّا أنّها فقدت كثيراً من ألفاظها، وقواعد نحوها
وصَرْفها، بعكس اللغة العربية التي استطاعت الحفاظ على مفرداتها
وقواعدها، وأغلب أهل تلك اللغات لا يتكلَّمون بلُغاتهم القديمة، بينما بَقِيت
العربية لغة حية؛ بسبب تعدُّد لهجاتها -وأشهرها لغة قريش- ولأنّها لغة
القرآن الكريم.[٨]
تطوُّر اللغة العربية
كان لاختلاط قريش بالشعوب الأخرى السبب الأقوى في قوة لغتها
وفصاحتها، حيث كانت قبائل العرب قبل الإسلام تأتي إلى مكّة من كلّ مكان
في موسم الحج، وتختلط ببعضها البعض عند البَيع والشراء، فصارت قريش
تتخيَّر أفضل الكلام الذي تستحسنُه، ويهملون ما يستبشعونه، وبالتالي
أصبحوا أفصحَ العرب، وما ساعدهم على تمسُّكهم بلغتهم العربية الفصيحة
أيضاً، بُعدُهم عن بلاد العَجَم، كالروم، والفرس، وعدم مُخالَطتهم مخالطة
كثيرة تُؤثِّر على لغتهم، بالإضافة إلى أنّهم كانوا يتخيَّرون أحسن ما في لغات
العرب الذين يَفِدون إلى مكة، ويقيمون فيها زمناً أكثر من 50 يوماً.[٨]
ثمّ مع الفتوحات الإسلامية التي انتشرت، ومع ازدياد اختلاط العرب بالشعوب
الأخرى في العصرَين: الأموي، والعباسي، ازدهرت الحضارة الإسلامية،
وأصبحت العربية اللغة الأولى عند الشعوب الإسلامية، إلا أنّه نتيجة هذا
الاختلاط دخل اللَّحن إلى ألسنة العرب، وبدأت الترجمة تأخذ حيِّزاً،
فضَعُفَت العربية وبدأت الجهود تتكاثف لضَبط اللغة.
اللغة العربية تعلُّم أم اكتساب
إنّ أغلب الآراء في أن اللغة اكتساب، وعلى المُتعلِّم أن يتعرَّض للّغة
ويعايشها؛ ليكتسبها بصورة تلقائية، وبصورة فصيحة؛ لذلك حرص العرب
على إرسال أبنائهم إلى البادية، حيث صفاء اللغة، وقد حاولوا إقصاءهم
عن المُدن؛ حتى تبقى لغتهم العربية نقيّة صافية.[٣]
المراجع
1^ أ ب د. عادل باناعمة (2-1-1437)، "القرآن الكريم والمدخل الآرامي"،
dorar، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2018. بتصرّف.
2↑ محمد القوصي (2016)، عبقريـة اللغـة العربيـة، المملكة المغربية:
إيسيسكو، صفحة 7. بتصرّف.
3^ أ ب ت أ. د. عبد المجيد عمر (1437)، منزلة اللغة العربية بين اللغات
المعاصرة دراسة تقابلية (الطبعة الثانية)، المملكة العربية السعودية: مركز
البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، صفحة 48-71. بتصرّف.
4↑ سورة البقرة، آية: 31.
5^ أ ب ت ث ج د. بليل عبد الكريم (23-1-11)، "أصل اللغة"، alukah،
اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2018. بتصرّف.
6^ أ ب ت محمد القوصي (2016)، عبقريـة اللغـة العربيـة، المملكة
المغربية: إيسيسكو، صفحة 161-165. بتصرّف.
7↑ سورة البقرة، آية: 31-33.
8^ أ ب د. عبد العزيز الدغيثر، "نشأة اللغة العربية وتطورها وثباتها أمام
التحديات"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق