الجمعة، 13 ديسمبر 2019

سلسلة أعمال القلوب (50)

سلسلة أعمال القلوب (50)

سابعاً : ثمرات الإخلاص وآثاره السلوكية :

هذه الآثار على قسمين:

آثار تحصل للعبد عن قريب، فتعجل له في دنياه.

وآثارٌ تؤجل فيجد ذلك في آخرته.

الآثار المعجلة للإخلاص: وهي كثيرة جداً منها:

خامساً: من ثمرات الإخلاص المُعجَّلة:أن صاحب الإخلاص يكفيه الله

عز وجل من وجوه عدة: ومن هذه الكفايات التي تحصل للمخلصين:

أولها: أن الله عز وجل يكفى هذا العبد المخلص شأن الناس، ما بينه

وبين الخلق، فلا يصله شيء يكرهه من جهتهم، وبالتالى لا يعيش

تُؤَرَّقه الهموم؛ لأن هؤلاء يقعون في عرضه، ويظلمونه، ويعتدون

عليه، فالله عز وجل يكفيه ذلك كما قال الله عز وجل:

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ... [36] }

[سورة الزمر] .

'عَبْدَ' مفرد أضيف إلى معرفة وهو الضمير:'الهاء' :

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }

والمفرد إذا أضيف إلى معرفة أكسبه العموم، والمعنى: أليس الله بكاف

عباده، وهي قراءة أخرى متواترة في الآية: :

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عِبْادَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ... [36] }

[سورة الزمر] . الله يكفيهم شر الأشرار،

وكيد الفجار بإخلاصهم. والمعنى الثاني:

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }

أي: نبيه صلى الله عليه وسلم.

والمقصود: أن الله عز وجل عبر بالعبودية هنا التي أضافها إلى نفسه،

ما قال: أليس الله بكافٍ خلقه، أليس الله بكافٍ محمداً، وإنما قال:

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }

ليدل ذلك على أن سر الكفاية هو تحقيق العبودية، وهل يمكن أن تتحقق

العبودية بغير الإخلاص؟ لا يمكن ذلك؛ لأنه سرها، ولهذا فإن الله عز وجل

يكفى العبد كما أخبره، ويجعل له ألوان الكفاية بقدر ما عنده من تحقيق

العبودية؛ لأن الحكم – وهو الكفاية هنا – المرتب على وصف – وهو:

العبودية:

{ عَبْدَهُ }

-، يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فكلما ازدادت عبودية العبد لله؛

كلما ازدادت كفاية الله عز وجل له، فازدد عبودية يزدك الله عز وجل

كفاية وحفظاً .

يقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:

' من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين

الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله ' .

يقول ابن القيم معلقاً عليه في كتابه البديع 'إعلام الموقعين':

'هذا شقيق كلام النبوة' .

يقول: هذا نظير لكلام النبوة، يشبه كلام النبوة،

'وهو جدير بأن يَخرُج من مِشكَاةِ المُحَدَّث المُلهَم'

عمر من المُحَدَّثين من المُلهمين للصواب،

يقول ابن القيم:'وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومَن أَحسَن الإنفاق

منهما؛ نفع غيره، وانتفع غاية الانتفاع، فأما الكلمة الأولى، وهى

قوله:'من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه

وبين الناس'

يقول ابن القيم:'فهى منبع الخير وأصله' والثانية: وهي قوله:

'من تزين بما ليس فيه شانه الله' يقول:' والثانية أصل الشر وفصله،

فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى، وكان قصده وهمه، وعمله لوجهه

سبحانه؛ كان الله معه، فإنه سبحانه:

{ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[128] }

[سورة النحل] .

ورأس التقوى والإحسان: خلوص النية لله في إقامة الحق،

والله سبحانه لا غالب له، فمن كان معه، فمن ذا الذي يغلبه، أو يناله

بسوء، فإن كان الله مع العبد، فمن يخاف وإن لم يكن معه، فمن يرجو،

وبمن يثق، ومن ينصره من بعده . فإذا قام العبد بالحق على غيره،

وعلى نفسه أولاً، وكان قيامه بالله ولله؛ لم يقم له شيء، ولو كادته

السماوات والأرض والجبال؛ لكفاه الله مؤنتها، وجعل له فرجاً ومخرجاَ.


وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة،

أو في اثنين منها، أو في واحد، فمن كان قيامه في باطل؛ لم يُنصر،

وإن نُصر نصراً عارضاً، فلا عاقبة له، فينصر مؤقتاً فترة زمنية ثم

لا تكن له العاقبة، ينهزم بعد ذلك وينكسر، يقوم وهو مهزوم مخذول.

وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله، وإنما قام لطلب المحمدة والشكور

والجزاء من الخلق، أو التوصل إلى غرض دنيوي كان هو المقصود

أولاً، والقيام في الحق وسيلة إليه، فهذا لم تُضمن له النصرة فإن

الله ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله، وقاتل لتكون كلمة الله هي

العليا، لا لمن كان قيامه لنفسه وهواه فإنه ليس من المتقين، ولا من

المحسنين، وإن نُصر فبحسب ما معه من الحق، فإن الله لا ينصر

إلا الحق، وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر،

والصبر منصور أبدا فإن كان صاحبه محقاً؛ كان منصوراً له العاقبة '

ا.هـ [إعلام الموقعين 2/178] .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق