الشكر على نعم الله تعالى
الحمد لله الذي تأذن للشاكرين بالمزيد،
وتهدد الكافرين بالعذاب الشديد، أما بعد:
فإن ذكر النعم ومعرفة أجناسها وأنواعها ومقاديرها من خصال النبيين
وخلال المؤمنين، ومن أعظم البواعث على الاغتباط بها وشكرها وحوافز
رعايتها وحفظها ومقتضيات استقرارها وزيادتها؛ ولهذا أكثر سبحانه
من تذكير عباده بنعمه وآلائه، كقوله:
{ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 11]،
وقوله: { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأعراف: 69].
ونبه سبحانه على أجناس عظيمة من نعمه، وذكر أصولها وجلائلها في
محكم كلامه، كما في سور الأنعام والنحل والرحمن، وكقوله تعالى:
{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [إبراهيم: 34]،
بل إنه جل ذكره أخبر أن جميع النعم منه وحده فهو تعالى المتفرد بالإنعام
كما أنه المتفرد بكشف الضر عن الأنام، قال تعالى:
{ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ *
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }
[النحل: 53، 54]،
ولقد تأذن الله تعالى للشاكرين بالمزيد وتهدد الكافرين بالعذاب الشديد،
فقال تعالى:
{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }
[إبراهيم: 7].
والغفلة عن النعم واستصغارها، ونسبتها إلى غير الله تعالى، واتخاذها ذريعة
للمعاصي، ونسبتها إلى الأسباب والمعارف والأسلاف، كل هذه من مظاهر
الكفران وأمارات قسوة القلوب، وهي من أسباب نقصها وزوالها وتبدلها
بأضدادها، كما كان من شأن أهل سبأ وغيرهم من القرى الظالمة، التي
احتقرت النعم ونسبتها إلى أسباب البشر، ثم تمادى بها الأمر إلى أن سئمت
النعم وملتها وجحدت حقوق المنعم وكفرتها، فأزال الله النعم من بين أيديهم
وجعلهم أحاديث وعبرًا لمن جاء من بعدهم، وجعل مواطنهم وآثارهم شاهدة
عليهم بعظيم نعمة الله عليهم وظلمهم لأنفسهم، يقول تعالى:
{ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } [الحج: 45].
وإذا عُرف هذا، فإننا في هذه البلاد ـ بلاد الحرمين ـ ننعم ولله الحمد بنعم
كبرى ومنن جليلة: من مناسبة الموقع بين العالم, فإننا في وسط العالم
في مهبط الوحي، ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم, وقبلة المسلمين،
ومنطلق دعوته للعالمين، هذا إضافة إلى ما فيه من كثرة الخيرات والثروات،
وأعظم من هذا كله صحة المعتقد وسلامة المنهج، وتوفر الأمن، ورخاء
العيش، ووجود أئمة هداة في العلم والعمل، وتحكيم الشريعة في الجملة، كل
هذه ينبغي أن تُذكر فتُشكر، وأن تعظم ولا تستصغر فتحتقر، وشكرها بأمور:
الأول: الاعتراف بأجناسها وآحادها وكثرتها، وأنها من الله تعالى
وحده؛ منحة للشاكرين ومحنة للكافرين.
الثاني: أن يُستعان بها على طاعة الله تعالى، وأن يحسن بفضلها
على عباد الله.
الثالث: أن يثنى على الله تعالى بها، فيُذكر سبحانه ويُشكر ويُعترف له
بالفضل، ويبرأ من القوة والحول إلا به سبحانه، ويُعترف بالعجز عن أداء
كامل حقه على خلقه، ويُسأل العفو عن التقصير في حقه, وأن يحذر من
نسبتها إلى الأشخاص والأسباب والمهارات والأسلاف، ثم يذكر ويثني
على من كان له نوع سبب بعد الله في هذه النعمة وتوفرها.
فيشكر العلماء والجهات المعنية بالعلم الشرعي على نعمة العلم والهدى بما
يبينونه للناس من دين الله ـ جلَّ وعلا ـ قولًا وعملًا، ويُشكر الأغنياء وجهات
البر على إحسانهم بأموالهم وجودهم بخيرهم على إخوانهم، ويُشكر الأطباء
والجهات المسؤولة عنهم على جهودهم في علاج الأمراض
والعناية بالمرضى.
وهكذا كل من له سهم في توفير نعمة يُشكر على جهده في مجاله، فإنه
لا يشكر الله من لا يشكر الناس، وإن من الفضل الاعتراف بالفضل لأهله،
وإنكار الجميل ونكران المعروف لؤم في الطباع، ومن أخلاق الرعاع،
ومن أسباب انقطاع المعروف والإحسان.
الرابع: الحذر من الانشغال بها عن حق المنعم بها وموليها كالذين يتركون
صلاة الفجر آمنين في البيوت، أو يتعاطون الربا مفتتنين بالأموال، أو يبذلون
الأموال في الحرام والإعانة على الآثام, جعلنا الله جميعا من الشاكرين،
وأعاذنا من حال الكافرين الجاحدين، وجعلها من أسباب السعادة في الدارين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الأحد، 22 نوفمبر 2020
الشكر على نعم الله تعالى
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق