روائع الإعجاز النفسي (102)
كيف نمارس الخشوع في حياتنا اليومية؟
إنه القرآن! هو الوسيلة الرائعة لممارسة الخشوع لله تعالى، وهنا ينبغي
أن نصحح الفكرة السائدة أن الخشوع يكون في الصلاة فقط أو في قراءة
القرآن، والصواب أن الخشوع هو منهج يعيشه المؤمن كل لحظة كما كان
أنبياء الله يفعلون، فإذا تأملنا حياة الأنبياء عليهم السلام نلاحظ أنها مليئة
بالخشوع، بل كانوا في حالة خشوع دائم، وهذا ما أعانهم على التحمل
والصبر على الأذى والاستهزاء وكان هذا الخشوع سبباً في استجابة
دعائهم، ولذلك قال تعالى عنهم:
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }
[الأنبياء: 90].
وتأملوا معي عبارة (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) فهي توحي بأن هؤلاء الأنبياء
الكرام كانوا في حالة خشوع دائم، ولذلك لابد أن نقتدي بهم في حياتنا،
ولكن كيف ذلك؟
فالمؤمن الحقيقي يكون في حالة خشوع في صلاته وعندما يتصدق تجده
يتفكر في هذه الصدقة وعندما يزور مريضاً يفكر في أهمية هذه الزيارة
فيطلب من الله أن يبعد عنه الأمراض. وعندما يتعامل مع الناس في بيع
وشراء وتجارة يحس بأن الله يراقبه ويراه فلا يغش ولا يكذب ويكون
صدوقاً ليُحشر يوم القيامة مع الصديقين.
عندما يتعرض الشاب المؤمن لفتنة أو يكون على وشك أن ينظر إلى
ما حرم الله، يتذكر على الفور أن الله يراه ولا يرضى عن ذلك، فيبتعد عن
هذه المعصية ابتغاء وجه الله، ويحس وقتها بنوع من لذة وحلاوة الإيمان.
عندما يرى المؤمن شيئاً يكرهه من زوجته أو العكس ويدرك أن الله يأمره
أن يعاشرها بالمعروف ولا يؤذيها وأن النبي أمره أن يستوصي بها خيراً،
عند ذلك يبتعد عن إيذائها ويكون أكثر صبراً عليها، فهذا هو الخشوع.
عندما يتعرض المؤمن لمرض أو لظروف صعبة، أول شيء يقوم به
هو الدعاء واللجوء إلى الله تعالى. ويدرك أن الله تعالى هو الذي ينفع
ويضر وهو الذي بيده الخير هو الذي يشفي وهو الذي يرزق هو الذي بيده
مفاتيح الخير كلها، هذا هو الخشوع الحقيقي...
ولذلك فإن الخشوع هو نتيجة العمل الصالح والدعاء والمسارعة في
الخيرات، فإذا أردت أن يرزقك الله نعمة الخشوع وأن تكون مستجاب
الدعوة كما استجاب الله لأنبيائه وهم في أصعب الظروف، فعليك أن تبحث
عن الخيرات وتسارع فيها، لا تنتظر حتى يأتي إليك من يحتاج المال
لتعطيه، بل اذهب أنت وسارع للإنفاق، وهكذا. وأن تتذكر هذه الآية
وتحفظها مثل اسمك لترددها كل يوم، بل في كل موقف:
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }
[الأنبياء: 90].
ولذلك يا أحبتي ...
ربما بعد هذه الحقائق نعلم لماذا ألهم الله نبيه وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم
قبل البعثة الشريفة أن يذهب إلى غار حراء ويخلو بنفسه، ليتأمل في خلق
هذا الكون ويتفكر في عظمة الخالق تبارك وتعالى، لأن هذه المرحلة
ضرورية جداً لتعطيه القدرة على الصبر والتحمل ليحمل أعباء أعظم
رسالة على وجه الأرض.
وربما ندرك أيضاً لماذا كانت عبادة الحج تطهر الإنسان فيرجع كيوم ولدته
أمه نقياً، لأن عبادة الحج قائمة أساساً على التأمل والخشوع والتفكر في
خلق الله وبخاصة الوقوف بعرفة وهو الركن الأساسي لعبادة الحج. لأن
رحلة الحج هي فترة للنقاهة والعلاج بالنسبة للمؤمن إذا عرف كيف يستثمر
كل لحظة في طاعة الله تعالى.
وربما ندرك لماذا كان الأنبياء أكثر الناس صبراً، لأنهم كانوا يمارسون
عبادة الخشوع في كل شيء، طبعاً هذا في الدنيا ولكن في الآخرة هناك من
الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يقول تعالى:
{ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ...}
ماذا أعد الله لهم؟ يقول تعالى:
{ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 35].
من كتاب روائع الإعجاز النفسي
بقلم المهندس/ عبد الدائم الكحيل
الاثنين، 15 مارس 2021
روائع الإعجاز النفسي (102)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق