البحث الجائر عن "الذهب الأحمر" في أعماق البحر المتوسط يدمر البيئة
تلحق أعمال تهريب المرجان في الدول المطلة على البحر المتوسط أضرارا بالبيئة والحياة المائية.
ويأتي ذلك رغم القوانين الصارمة ضد تهريب الشعاب المرجانية. Dw تبحث أسباب المشكلة من ساحل تونس وجنوب إيطاليا.
يواجه أصحاب المتاجر التي تصنع المجوهرات من المرجان مستقبلا مظلما مع انهيار النظم البيئية
على مدار عشرين عاما يقوم التونسي مراد العرفاوي وعائلته بتحويل الشعاب المرجانية الثمينة
إلى حلى ومجوهرات من داخل متجره في مدينة طبرقة الساحلية الصغيرة.
وعن ذلك، قال العرفاوي: "الكل يشارك في هذا الأمر لقد تربى أبنائي داخل هذا المتجر".
بيد أن العرفاوي يشكك في أن أبنائه سوف يتمكنون من المضي قدما في العمل ذاته؛
نظرا للنقص الشديد في الشعاب المرجانية التي تعد ركيزة عمله.
ويقول سكان طبرقة إن تسعة من كل عشرة متاجر خاصة ببيع المجوهرات المرجانية في المدينة
الواقعة على بعد حوالي مائتي كيلومتر عن جزيرة سردينيا الإيطالية، قد أوصدت أبوابها،
خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار الشعاب المرجانية نظرا لندرتها.
وقال العرفاوي" قد لا يوجد أي شعاب مرجانية في المستقبل على الإطلاق وسوف تختفي ببساطة".
النظم البيئية في حالة احتضار
ويعد المرجان الأحمر الذي يُطلق عليه "الذهب الأحمر" كائنات حية تتواجد بشكل رئيسي في البحرين الأحمر والأبيض المتوسط،
فيما تعيش هذه الكائنات في أعماق البحار في محاولة لتجنب الضوء.
ويطلق عليها السكان المحليون أشجار البحر المتوسط الحمراء لأنها تساعد على ازدهار النظام البيئي.
ويتميز المرجان الأحمر بجمال خلاب في نعمة تحولت إلى نقمة؛ حيث بات هذا المهرجان مادة خام يطلبها
صانعو المجوهرات لصنع حلى جميلة، لكن الأمر جاء على حساب البيئة وتدمير النظم البحرية.
فعلى مدى عقود، يصطاد الصيادون على متن مراكب الصيد بالجر الشعاب المرجانية ما أدى إلى ندرتها،
حيث أدرج الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة الشعاب المرجانية الثمينة على قائمته الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض.
بيد أن الصيد الجائر لا يعد التهديد الوحيد الذي يهدد بانقراض الشعاب المرجانية الحمراء
وإنما أيضا التغير المناخي، الذي يتسبب في زيادة حرارة المحيطات والبحار بوتيرة كبيرة،
ما ينذر بالقضاء على الشعاب المرجانية في العالم خلال العقود المقبلة.
وقد دفع هذا الأمر الكثير من الحكومات إلى التحرك فمنذ ثمانينات القرن الماضي،
حظرت معظم الدول ممارسات الصيد التدميرية مثل الصيد بشباك الجر للحصول على الشعاب المرجانية.
وفي عام 2019، اعتمدت الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط المزيد من القواعد لحماية الشعاب المرجانية
، فيما يمكن للغواصين في الوقت الحالي التقاط هذه الشعاب على أعماق تزيد عن 50 مترا، بينما يتعين على الحكومات تتبع الأمر.
وفي تونس، لا تجيز السلطات جمع الشعاب المرجانية الثمينة إلا لعدد قليل من الغواصين.
الصيد مستمر رغم القوانين
ورغم هذه القوانين، إلا أن رجال الأعمال في مدينة طبرقة يتحدثون عن ازدهار السوق السوداء الخاصة
بتهريب المرجان الأحمر، ما يعني صعوبة تطبيق القوانين نظرا للعائد المادي الكبير.
وقد كشفت دراسة قام بتمويلها الاتحاد الأوروبي عن أن سعر الشعاب المرجانية الثمينة قد يصل إلى عدة ملايين
من اليورو، فيما يتم تهريبها من البحر المتوسط كل عام، حيث تعد دول شمال أفريقيا ومنطقة جنوب إيطاليا من أهم مراكز هذه التجارة.
وفي الجزائر، فرغم صرامة القوانين، إلا أنه يتم سنويا تهريب حوالي ثلاثة أطنان من المرجان الأحمر الذي يُطلق عليه "دم الثور".
وقال صلاح البجاوي، وهو أحد الغواصين السابقين في جمع الشعاب المرجانية في طبرقة،
إن هذا النشاط غير قانوني "وهناك الكثير من أعمال الصيد في السوق السوداء وهذا يعرضنا لمشاكل كبيرة".
يشار إلى أن الشرطة التونسية قد صادرت في السابق سيارات بعد العثور على شعاب مرجانية ثمينة
وحبوب من مخدر "الإكستازي" على متنها، حيث يتم شحن هذه الشحنات عبر تونس إلى دول أخرى نظرا لأنه يصعب التحقق من دولة المنشأ.
وقال البجاوي: "أصبح الأمر يشبه تهريب الكوكايين. جرى توقيف شخص إيطالي كان على متن قارب
حيث كان يقوم بتهريب شعاب مرجانية إلى إيطاليا. الجميع يعرف أن هناك عمليات تهريب تحدث هنا".
"الأمر شبيه بالحرب"
وتعتبر مدينة توري دل غريكو الصغيرة قرب مدينة نابولي الإيطالية، العاصمة العالمية لتجارة المرجان غير القانونية،
حيث تصنع العديد من الشركات المملوكة لعائلات مجوهرات من شعاب مرجانية ثمينة لبيعها لشركات
مثل غوتشي وبولغاري وغيرها من العلامات التجارية الفاخرة الأكثر شهرة في العالم.
وفي هذه البلدة الإيطالية الصغيرة، قلة من السكان لديهم رغبة في الحديث عن السوق السوداء المزدهرة للشعاب المرجانية.
تعد المجوهرات المصنوعة من المرجان مرتفعة الثمن ورغم ذلك تجد الكثير من الرواج
ويعد ميكو كاتالدو أحد تجار المرجان القلائل الذي أبدى استعداده للحديث عن هذا الأمر حيث
قال: "نكافح هذه المشكلة يوميا في ظل وجود تجار غير شرعيين".
وقال كاتالدو إنه والكثيرين ممن يعملون في هذه التجارة قد حققوا أرباحا كبيرة من وراء التجارة في المرجان،
مضيفا أن ارتفاع الطلب على الشعاب المرجانية ليس بسبب صناعة المجوهرات إذ أنه في بعض الدول الأسيوية
يتم استخدام الشعاب المرجانية الثمينة في صناعة منتجات تجميل وكمصدر للعديد من الأدوية.
وقال إنه تلقى تهديدات من المجرمين داخل متجره لأنه تحدث ضدهم، مضيفا "الأمر أشبه بحرب نخوضها هنا".
وعلى وقع ذلك، قامت إيطاليا بوضع خطة وطنية لحماية الحياة البحرية،
لكن كاتالدو قال إن المهربين ينقلون بضائعهم عبر إسبانيا وفرنسا بدلا من إيطاليا.
أما بالنسبة للتونسي مراد العرفاوي، فإنه يرى أن الجشع هو سبب هذه التجارة غير المشروعة، مضيفا:
"أصبحت الشعاب المرجانية الثمينة مهددة مثل العديد من الكائنات البحرية الأخرى لأننا لم نعطيها الوقت كي
تنمو وتتطور. لقد نسينا أن نتحلى ببعض الصبر ونسينا أيضا تقدير ما يملكه أعماق البحر من ثروات.
الاثنين، 22 مايو 2023
البحث الجائر عن "الذهب الأحمر"
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق