من خلال التعاملات العامَّة في المجتمعات يتَّضح منها
حجم ودور الأخلاق
والآداب في حياة الفرد والمجتمع، ويتَّضح أيضًا
تغيُّر الطباع في
المعاملات، ولأن البعض تخلَّى عن الآداب العامَّة في
المعاملات الفردية؛
قاد هذا التخلِّي إلى أن تغيَّرت طباع كثيرٍ من
الناس؛ فصارَت تحمل الغلظة
والشدة، والعنف والقسوة؛ وذلك لعدم مراعاة الحقوق
والواجبات التي
أخبرنا بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من
خلال الوحي الإلهي
إلى
سمات ومعالم الأمَّة الأفضل والأمَّة الوسَط، وصارت رؤية الفرد
لِمَن
حوله فتبدَّلت معالم الحياة من خلال منظور السماء إلى
أهل الأرض
لتحقيق الحياة الآمِنة إلى طباع وتعاملات تنتمي إلى
شريعة الغاب.
فكانت أنْ تحوَّلت نظرة البشر إلى الله - عز وجل -
إلى نفس النظرة
الواقعة فيما بينهم من غلظة وشدة وقسوة، فظنَّ الكثير
أن الله - سبحانه
وتعالى - ليس رؤوفًا رحيمًا مثل الكثير من البشر،
فكانت هذه المقولة
التي أصبحت منتشرة: (إذا كنَّا نحن لا يرحم بعضنا
بعضًا، فكيف سيرحمنا
الله؟!) فانتقل سوء الظن بين العباد - وما أكثره!
- إلى اليأس من رحمة الله.
مع أن جناحا العبودية الخوف
والرجاء،
وقد
قال الله - عز وجل -:
{
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }
[الأعراف: 156].
ومن
خلال هذا المنظور :
البشرى
لرؤية العلاقة بين الإنسان وبين ربِّه يكون هناك تدخُّلات ليست
ببعيدة عن حياتنا، بل هي ليست وليدة هذا الجيل أو
الذي قبله، بل منذ
أنْ كان سيد البشر - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخبرنا
بخبر السماء
والأمم
السابقة.
فإن مَن لم يفطن إلى سعة رحمة الله - عز وجل - لن
يخرج عن نوعين:
1- إمَّا إنسان يرى أن ذنوبه أكبر، وأخطر من أن
تُغفَر فوكَل نفسه إلى
عقله القاصِر عن إدراك رحمة الله - عز وجل -
رحمة
الله واسعة، وفضله عظيم،
لكن
يوم يعرف العبد أن رحمة الله واسعة وفضله عظيم، فهذا علم أن له
ربًّا وخافَه ولم يعرف الطريق إليه أو سعة رحمة الله،
فكان تصرُّفه هذا.
2- ونوع آخر اصطدم بمَن يقطِّبون عن جبينهم، وظنُّوا
أنهم بعباداتهم
صاروا يحكمون على عباد الله، وقد أخبرنا رسولنا -
صلَّى الله عليه وسلَّم
- عن مثل هذه النوعية؛
فعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال:
سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:
( إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين؛ أحدهما
مجتهد في
العبادة، والآخر كأنه يقول: مذنب، فجعل يقول: أقصر
أقصر عمَّا
أنت فيه، قال: فيقول: خلِّني وربي، قال: حتى وجده
يومًا على ذنبٍ
استعظمه، فقال: أقصر، فقال: خلِّني وربي، أبُعِثتَ
علينا رقيبًا؟!
فقال: والله لا يغفر الله لك أبدًا، ولا يدخلك الله
الجنة أبدًا، قال:
فبعث الله إليهما ملكًا، فقبض أرواحهما، فاجتمعا
عنده، فقال
للمذنب: ادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن
تحظر
على عبدي رحمتي، فقال: لا يا رب، قال: اذهبوا به إلى
النار )،
قال
أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لتكلَّم بكلمة أوَبْقَت دنياه
وآخرته؛
أبو داود وأحمد وصحَّحه
الألباني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق