علم
الله الأزلي الغيب :
لا نرى
نحن به الحجة لذلك لا تقوم الحجة ظاهرة بيننا ولكن حين
يبرزعلم الله الى الوجود أمامنا فإنه علم تقوم به
الحجة واضحة على
من آمن
وعلى من آمن وعلى من لم يحسن الإيمان وذلك حتى لا يدعي
أحد لنفسه أنه كان سوف يفعل لكن الفرص لم تواته وهكذا
تأتي المواقف
الاختيارية ليعلم كل منا نفسه ونبرز الحجة علينا
جميعاً.
إذن
:
ففيه
فرق بين علم الله الأزلي للأشياء كما سوف تحدث ولكن لا تقوم به
الحجة علينا فقد يدعي البعض أنه لو قامت معركة شديدة
فإنهم كانوا
سوف يصمدون ولكن عندما تقوم المعركة بالفعل فنحن نرى
من
الصامد
من هو غير ذلك.
( ولله المثل الأعلى )
نحن في حياتنا العادية أن عميد إحدى الكليات يأتي إلي
المدرس ويقول
له: إننا نريد أن نعقد امتحاناً لنتعرف على المتفوقين
من الطلاب ونمنح
كلاً منهم جائزة فيرد المدرس: ولماذا الامتحان؟ إنني
أستطيع أن أقول لك
من هم المتفوقون وأن أرتبهم لك من الأول ومن الثاني
وهكذا ولكن عميد
الكلية لا يصدق المدرس ويطلب عقد امتحان ويختار
العميد مدرساً آخر
ليضع هذا الامتحان وتظهر النتيجة ويكون توقع المدرس
هو الصائب.
إن تفوق هؤلاء التلاميذ صار تفوقاً بحجة أن ذلك في
المستوى البشري
فما
بالنا بعلم الله الأزلي المطلق؟
فالحق
بعلمه الأزلي يعلم كل شيء ويحيط بكل شيء ولكنه لا يقول
لنا:
أنا لو
كنت أعلم أنني سأصنع معركة بينكم وبين أعدائكم وأنكم كنتم
ستتصرفون كذا وكذا ولكنهم كان يمكن أن يحاولوا ويدعوا
لأنفسهم
أشياء
ليست فيهم.
إن
الحق سبحانه يضع الاختبار ويدخل المسلمون المعركة وتكون النتيجة
مطابقة لما يعلمه الله إن التغيير هنا لا يكون في
المعلوم لله ليس في العالم
بل في المعلوم بحيث نراه حجة
علينا.
أي: كيف يكون العالم العاقل فقيراً مضيقاً عليه
في الرزق ويكون الجاهل الأحمق غنياً
مبسوطاً؟
فرد عليه واحد يملك الإيمان قلبه بقوله: كم عالم قد
بات في عسر وجاهل
جاهل قد بات في يسر . تحير الناس في هذا فقلت لهم:
هذا الذي أوجب
الإيمان بالقدر لكي نعرف أن العالم ميكانيكياً لكن
انظر إلي البسط فيمن
بسط وهو الله فلا تعزل البسط عمن قدره وهو الله ولا
تعزل القبض
والتقديرعن الله فالفاعل واحد والناس بالنسبة له
سواء.
فلابد
أن تعرف أن له حكمة في هذه وحكمة في تلك فإذا نظرت إلي الغنى
المترف الذي يلهو أولاده ويعبثون بالأموال ويبعثرونها
على ملذاتهم
وشهواتهم ويشربون بها المحرمات ويتعاطون المخدرات
بأنواعها.
وهناك
أيضا الرجل الفقير الذي يكد ويكدح لينفق على أولاده من حلال
ورغم دخله الضئيل الذي يعيش منه على الكفاف هو
وأولاده تجد أولاد
هذا الفقير ينجحون في المدارس ويتفوقون على أولاد
الأغنياء المترفين
رغم ما ينفقونه من أموال على الدروس الخصوصية طوال
العام.
إذن
:
لله
حكمة في ذلك فهو يبسط لحكمه ويقدر لحكمه حتى يعلم الناس أن
المسألة ليست ميكانيكا وأن الرزق ليس بالفهلوة أو
الشطارة ولكنه مقسم
بقدر الله وإرادته.
ولذلك
نحن قلنا سابقا ً:
إن
ألمانيا فيها مدرستان فلسفيتان كل واحدة منها تمثل رأياً وأولها
رأيهم
في العقيدة والإيمان. المدرسة الأولى يزعم صاحبها أن
العالم ليس له إله
لماذا؟ . قال: لأنه لو كان للعالم إله يحكم لما خلق
إنساناً أعور أو أعمى أو
أعرج
الخ وكان جعل كل الخلق متساوين فهو أخذ الشذوذ في الكون
دليلاً
على الإلحاد.
والمدرسة الأخرى مقابلة لهذه المدرسة وصاحبها يدعي أن
الكون
ميكانيكا فالناس يخلقون بطريقة واحدة عن طريق الزواج
والحمل
والوضع الخ وكذلك الحيوانات والطيور والأفلاك في
الكون تسير كلها
بنظام رتيب لا يتغير فلو كان هناك إله لغير هذا
النظام وخلق الناس بطرق
مختلفة وأشكال مختلفة ولكانت له إرادة مطلقة عن هذه
الميكانيكا.
فهو أخذ ثبات النظام في الكون دليلاً على
الإلحادوالآخر أخذ شذوذ النظام
دليلاً على الإلحاد فكأن كل واحد منهما يريد أن يلحد
ويأتي بأدلة زائفة
يؤيد بها رأيه حتى لو تناقض مع غيره.
ونحن
نرد على كل واحد منهما :
فالذي
يتخذ الشذوذ في الكون دليلاً على عدم وجود إله حكيم نقول له:
هذا الشذوذ يأتي في الأفراد الذين يعوض بعضهم عن بعض
فمثلاً واحد
أعمى وآخر أعور وكثيرون مبصرون.
فإذا وجد واحد أعمى فلن تفسد الدنيا والنظام الثابت
إذا أردت أن تراه
فانظر إلي الكون الأعلى من شمس وقمر ونجوم والهواء
والكواكب
والبحار والأنهار ففي النظام العام ثبات وفي الأفراد
الذين يغني بعضهم
عن الآخر يوجد بعض الشذوذ.
فهذا الشذوذ يثبت بطلاقة القدرة وثبات النظام في
الملأ الأعلى يعطينا
حكمة القدرة فيا من تريد ثبات نظام الكون دليلاً على
الإيمان فهو موجود
في القوى العليا ويا من تريد الشذوذ في الخلق دليلاً
على الإيمان فهذا
موجود في الأفراد ولكن إذا كان هذا الشذوذ في الملأ
الأعلى تخرب الدنيا.
فيا من تريد ثبات النظام دليلاً على الإيمان فهو
موجود ويا من تريد شذوذ
النظام دليلاً على الإيمان فهو موجود أيضاً.
فقوله تعالى:
{ أَوَلَم يَرَوا أَنَّ اللَّهَ يَبسُطُ الرِّزقَ
لِمَن يَشاءُ وَيَقدِرُ }
"37"
(سورة الروم)
يعني: ألم ينظروا بأعينهم كيف يوسع الله الرزق لبعض
الناس ويضيق
على البعض الآخر ولأن الله تعالى هو الرزاق فمرة يرزق
بالأسباب ومرة
أخرى يقول لك: إياك أن تغتر بالأسباب لأنك قد تفعل
الأسباب ولكن الله لم
يقدر لك رزقاً فتأتي الأسباب فقد تزرع الزرع وتتعهده
بالرعاية والري
والتسميد وقبل أن ينضج المحصول تصيبه جائرة فيضيع
المحصول دون
أن تستفيد بشيء منه.
إذن:
ساعة
تجدي الأسباب فهذا يدل على غرور الإنسان فلا يتواكل ويأخذ
بالأسباب لأن المطلوب منك أن تتحرى إلي الرزق أسبابه
ولا تشغلن بعدها
بالك فإنك تجهل عنوانه ورزقك يعلم
عنوانك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق