مقالات كثيرة كتبت في القديم القريب، حول تدخل الخدم
في تربية الأبناء، بعدما انتشر الخدم في بيوتنا، ومقالات قبلها
كتبت حول عمل المرأة وانصرافها عن تربية أبنائها، أو انشغال الأب
وعدم متابعة أبنائه.
واليوم صرنا لا نتكلم عن الخدم، ولا عن العمل والإهمال التربوي،
وإنما صار اهتمام الوالدين معلقا بوسائط التواصل الاجتماعي،
حتى انصرف الوالدان عن الاهتمام بأبنائهم والانشغال بتربيتهم وحسن توجيههم،
فكثير من الآباء والأمهات انشغلوا بوسائل التواصل المجانية
مثل الـ (واتس أب، تانغو، فايبر، وسكايب)
أو بشبكات التواصل الاجتماعي مثل: الـ(انستجرام، تويتر، كيك، وفيس)،
ولعل أكثر ما يأخذ وقت الوالدين اليوم الـ (واتس أب) و(انستجرام)،
حتى صار هذا الجيل يوصف بجيل (الرقبة المنحنية) من كثرة انحناء
الرأس على الهواتف الذكية، وصار الـ (واتس أب) اليوم يدير أوقاتنا؛
حتى افقدنا الإحساس بطعم الحياة والتأمل بالطبيعة والتفكر بمجريات الأحداث،
والتركيز على الأهداف والاستمرار بالإنجاز.
نحن لسنا ضد استخدام وسائل التواصل أو تكنولوجيا الاتصال،
ولكننا مع تحديد الأولويات في الحياة الاجتماعية، وأكبر أولوية
هي بناء أسرة مستقرة وسعيدة ومترابطة
فصار هم الواحد منا اليوم نقل الأخبار والأحداث التي من حوله،
أكثر من أن يتفاعل مع الحدث الذي أمامه، فلو رأى حادث اصطدام
بين سيارتين، فيكون أول ما يفكر به نشر الخبر قبل أن يفكر ويبادر
بمساعدة المصابين، بل وقد تجد شخصا جالسا في غرفة العناية
المركزة بقرب أبيه أو أمه في لحظات حياتهما الأخيرة، ويكون مشغولا
بنقل أخباره من خلال واتس أب أو إنستجرام، أكثر من انشغاله
بالدعاء لهما أو الاهتمام بهما.
وقد تجد أطفالا يسرحون ويمرحون في البيت من غير توجيه وتربية،
بينما تكون أمهم بغرفة نومها ترسل الصور أو مقاطع الفيديو
عبر الـ (واتس أب) وأبوهم مشغول بإرسال الطرائف والنكت
لأحبابه عبر الـ (واتس أب).
بعض الآباء والأمهات يشتكون من انشغال أبنائهم بوسائل التكنولوجيا،
ولو راقبوا أنفسهم لوجدوا أنهم مشغولون بالواتس أب،
أو التصوير والنشر بالانستجرام أكثر من انشغال أبنائهم بالتكنولوجيا،
حتى صرنا في زمن يحق لنا أن نصف أبناءنا بأنهم (أيتام التكنولوجيا)،
فصار التعلق بالهواتف الذكية سمة العصر،
وأذكر أنه في يوم من الأيام قالت لي امرأة:
أمنيتي في الحياة أن أكون هاتفا ذكيا؛ حتى يهتم بي زوجي وأبنائي
طول اليوم، فابتسمت من تعبيرها هذا في وصف الحالة التي نعيشها،
ورجل من يومين كان يشتكي لي من شدة تعلق زوجته
بصديقاتها عبر الواتس أب،
وبنشر أخبارها عن طريق الانستجرام،
وكل ذلك على حساب الاهتمام بالبيت وتربية الأبناء ومتابعة دروسهم.
ومن شدة تعلق الوالدين بالتكنولوجيا السريعة والهواتف الذكية،
صاروا يريدون أن يعالجوا مشاكلهم التربوية بنفس ايقاع التكنولوجيا السريع،
ويحسبون أن المشاكل التربوية مثل تسخين الطعام
(بالمايكروويف) تعالج بشكل سريع وبجلسة واحدة أو توجيه واحد،
إن (التربية الميكروفية) هذه يستحيل تحقيقها لأن الإنسان ليس
آلة أو ماكينة، وإنما يحتاج لصبر وتكرار توجيه ودقة متابعة،
ومرونة في التعامل معه؛ من أجل تقويم سلوكه وحسن تربيته.
لقد فقد الوالدان اليوم السيطرة على تربية أبنائهم في الطعام واللباس
والأخلاق والمهارات؛ بسبب كثرة انشغالهم بأنفسهم والتكنولوجيا
التي بين أيديهم، وصار الأبناء يعانون من السمنة وسوء التغذية
وفقدان الشهية وكثرة الأمراض النفسية والعنف؛
بسبب انصراف الوالدين عن الاهتمام بهم على حساب الواتس أب،
الذي يتداول يوميا ما لا يقل عن 27 مليار رسالة،
حتى صار الـ (واتس أب) مكانا خصبا للفضائح،
وكشف الأسرار والتهديدات والطلاقات، وإخراج كل العواطف المكبوتة.
ومن يومين، تحدثت لجمهور الكيك حول موضوع
(أمي وأبي أونلاين online)، وأغلب المتابعين من شريحة الشباب والفتيات،
وقلت لهم: إن الوالدين صاروا أونلاين مع أصدقائهم
وعلاقاتهم أكثر من أبنائهم، ثم قلت لهم مازحا أما مع أبنائهم فهم
(أوفلاين ofline)، وفي خلال ساعات قليلة حاز الموضوع على
أكثر من 4000 اعجاب وأكثر من 100 تعليق من الأبناء والبنات،
ولفت نظري بعض التعليقات على هذا الموضوع مثل:
قال الأول (هم كانوا يقولون لنا اتركوا الجوال والحين صاروا زينا)،
وقال الثاني: (حتى خدامنا صاروا مثل أبونا وأمنا)،
وقال الثالث: (أمي تركت الاهتمام بنا وببرامجها التلفزيونية
وصارت 24 على الـ «واتس أب»)،
وقال الرابع: (وأبوي عنده صديقات وعلاقات وهو مدمن على
الـ «واتس أب»)،
وقالت الخامسة: (أمي مشغولة بالـ «واتس أب» وأبوي بالسفرات والاستراحات)،
وقالت السادسة: (إذا بغيت شيئا من أبوي أرسل له رسالة بالـ «واتس»
ولا يرد علي إلا بعد ساعة ولو كانت الرسالة من أصدقائه يرد عليهم بسرعة)،
وكتبت إحدي الأمهات: (كلما مسكت هاتفي يتحرك ولدي الصغير،
ويغطي الشاشة بيده وينظر إلي كأنه يقول لي أنا أهم)،
فهذه بعض المشاركات حول إدمان الآباء والأمهات على الـ (واتس أب)
ووسائل التواصل الاجتماعي، وواضح من هذه العينة العشوائية،
حجم المشكلة التي نعيشها في بيوتنا، وانصراف الوالدين عن الهدف
الأساسي من الزواج، وتكوين الأسرة، وهو التربية.
نحن لسنا ضد استخدام وسائل التواصل أو تكنولوجيا الاتصال،
ولكننا مع تحديد الأولويات في الحياة الاجتماعية، وأكبر أولوية
هي بناء أسرة مستقرة وسعيدة ومترابطة وهذا الهدف
لا يأتي إلا (بالاهتمام التربوي والحوار وإشاعة الحب)،
وهذه الثلاثية تحتاج لوقت حتى تتأسس بالأسرة، وأختم بتعليق
من أحد الآباء بأنه اقترح على عائلته أن يخصص يوما من غير
استخدام الهواتف الذكية، وقد نجح كما يقول بتطبيق هذه التجربة،
ولكن المهم ألا يكون الـ (واتس أب) أهم من أبنائنا.
د. جاسم المطوع
في تربية الأبناء، بعدما انتشر الخدم في بيوتنا، ومقالات قبلها
كتبت حول عمل المرأة وانصرافها عن تربية أبنائها، أو انشغال الأب
وعدم متابعة أبنائه.
واليوم صرنا لا نتكلم عن الخدم، ولا عن العمل والإهمال التربوي،
وإنما صار اهتمام الوالدين معلقا بوسائط التواصل الاجتماعي،
حتى انصرف الوالدان عن الاهتمام بأبنائهم والانشغال بتربيتهم وحسن توجيههم،
فكثير من الآباء والأمهات انشغلوا بوسائل التواصل المجانية
مثل الـ (واتس أب، تانغو، فايبر، وسكايب)
أو بشبكات التواصل الاجتماعي مثل: الـ(انستجرام، تويتر، كيك، وفيس)،
ولعل أكثر ما يأخذ وقت الوالدين اليوم الـ (واتس أب) و(انستجرام)،
حتى صار هذا الجيل يوصف بجيل (الرقبة المنحنية) من كثرة انحناء
الرأس على الهواتف الذكية، وصار الـ (واتس أب) اليوم يدير أوقاتنا؛
حتى افقدنا الإحساس بطعم الحياة والتأمل بالطبيعة والتفكر بمجريات الأحداث،
والتركيز على الأهداف والاستمرار بالإنجاز.
نحن لسنا ضد استخدام وسائل التواصل أو تكنولوجيا الاتصال،
ولكننا مع تحديد الأولويات في الحياة الاجتماعية، وأكبر أولوية
هي بناء أسرة مستقرة وسعيدة ومترابطة
فصار هم الواحد منا اليوم نقل الأخبار والأحداث التي من حوله،
أكثر من أن يتفاعل مع الحدث الذي أمامه، فلو رأى حادث اصطدام
بين سيارتين، فيكون أول ما يفكر به نشر الخبر قبل أن يفكر ويبادر
بمساعدة المصابين، بل وقد تجد شخصا جالسا في غرفة العناية
المركزة بقرب أبيه أو أمه في لحظات حياتهما الأخيرة، ويكون مشغولا
بنقل أخباره من خلال واتس أب أو إنستجرام، أكثر من انشغاله
بالدعاء لهما أو الاهتمام بهما.
وقد تجد أطفالا يسرحون ويمرحون في البيت من غير توجيه وتربية،
بينما تكون أمهم بغرفة نومها ترسل الصور أو مقاطع الفيديو
عبر الـ (واتس أب) وأبوهم مشغول بإرسال الطرائف والنكت
لأحبابه عبر الـ (واتس أب).
بعض الآباء والأمهات يشتكون من انشغال أبنائهم بوسائل التكنولوجيا،
ولو راقبوا أنفسهم لوجدوا أنهم مشغولون بالواتس أب،
أو التصوير والنشر بالانستجرام أكثر من انشغال أبنائهم بالتكنولوجيا،
حتى صرنا في زمن يحق لنا أن نصف أبناءنا بأنهم (أيتام التكنولوجيا)،
فصار التعلق بالهواتف الذكية سمة العصر،
وأذكر أنه في يوم من الأيام قالت لي امرأة:
أمنيتي في الحياة أن أكون هاتفا ذكيا؛ حتى يهتم بي زوجي وأبنائي
طول اليوم، فابتسمت من تعبيرها هذا في وصف الحالة التي نعيشها،
ورجل من يومين كان يشتكي لي من شدة تعلق زوجته
بصديقاتها عبر الواتس أب،
وبنشر أخبارها عن طريق الانستجرام،
وكل ذلك على حساب الاهتمام بالبيت وتربية الأبناء ومتابعة دروسهم.
ومن شدة تعلق الوالدين بالتكنولوجيا السريعة والهواتف الذكية،
صاروا يريدون أن يعالجوا مشاكلهم التربوية بنفس ايقاع التكنولوجيا السريع،
ويحسبون أن المشاكل التربوية مثل تسخين الطعام
(بالمايكروويف) تعالج بشكل سريع وبجلسة واحدة أو توجيه واحد،
إن (التربية الميكروفية) هذه يستحيل تحقيقها لأن الإنسان ليس
آلة أو ماكينة، وإنما يحتاج لصبر وتكرار توجيه ودقة متابعة،
ومرونة في التعامل معه؛ من أجل تقويم سلوكه وحسن تربيته.
لقد فقد الوالدان اليوم السيطرة على تربية أبنائهم في الطعام واللباس
والأخلاق والمهارات؛ بسبب كثرة انشغالهم بأنفسهم والتكنولوجيا
التي بين أيديهم، وصار الأبناء يعانون من السمنة وسوء التغذية
وفقدان الشهية وكثرة الأمراض النفسية والعنف؛
بسبب انصراف الوالدين عن الاهتمام بهم على حساب الواتس أب،
الذي يتداول يوميا ما لا يقل عن 27 مليار رسالة،
حتى صار الـ (واتس أب) مكانا خصبا للفضائح،
وكشف الأسرار والتهديدات والطلاقات، وإخراج كل العواطف المكبوتة.
ومن يومين، تحدثت لجمهور الكيك حول موضوع
(أمي وأبي أونلاين online)، وأغلب المتابعين من شريحة الشباب والفتيات،
وقلت لهم: إن الوالدين صاروا أونلاين مع أصدقائهم
وعلاقاتهم أكثر من أبنائهم، ثم قلت لهم مازحا أما مع أبنائهم فهم
(أوفلاين ofline)، وفي خلال ساعات قليلة حاز الموضوع على
أكثر من 4000 اعجاب وأكثر من 100 تعليق من الأبناء والبنات،
ولفت نظري بعض التعليقات على هذا الموضوع مثل:
قال الأول (هم كانوا يقولون لنا اتركوا الجوال والحين صاروا زينا)،
وقال الثاني: (حتى خدامنا صاروا مثل أبونا وأمنا)،
وقال الثالث: (أمي تركت الاهتمام بنا وببرامجها التلفزيونية
وصارت 24 على الـ «واتس أب»)،
وقال الرابع: (وأبوي عنده صديقات وعلاقات وهو مدمن على
الـ «واتس أب»)،
وقالت الخامسة: (أمي مشغولة بالـ «واتس أب» وأبوي بالسفرات والاستراحات)،
وقالت السادسة: (إذا بغيت شيئا من أبوي أرسل له رسالة بالـ «واتس»
ولا يرد علي إلا بعد ساعة ولو كانت الرسالة من أصدقائه يرد عليهم بسرعة)،
وكتبت إحدي الأمهات: (كلما مسكت هاتفي يتحرك ولدي الصغير،
ويغطي الشاشة بيده وينظر إلي كأنه يقول لي أنا أهم)،
فهذه بعض المشاركات حول إدمان الآباء والأمهات على الـ (واتس أب)
ووسائل التواصل الاجتماعي، وواضح من هذه العينة العشوائية،
حجم المشكلة التي نعيشها في بيوتنا، وانصراف الوالدين عن الهدف
الأساسي من الزواج، وتكوين الأسرة، وهو التربية.
نحن لسنا ضد استخدام وسائل التواصل أو تكنولوجيا الاتصال،
ولكننا مع تحديد الأولويات في الحياة الاجتماعية، وأكبر أولوية
هي بناء أسرة مستقرة وسعيدة ومترابطة وهذا الهدف
لا يأتي إلا (بالاهتمام التربوي والحوار وإشاعة الحب)،
وهذه الثلاثية تحتاج لوقت حتى تتأسس بالأسرة، وأختم بتعليق
من أحد الآباء بأنه اقترح على عائلته أن يخصص يوما من غير
استخدام الهواتف الذكية، وقد نجح كما يقول بتطبيق هذه التجربة،
ولكن المهم ألا يكون الـ (واتس أب) أهم من أبنائنا.
د. جاسم المطوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق