الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
♦ الملخص:
شاب يريد أن يتزوَّج، لكنه لا يُعجبه عُرفُ بيئته في الزواج، فلجأَ إلى
أحد مواقع الزواج، ووجد فتاة ولكنها بعيدة عنه، فقرَّر أن يسافر
إلى مدينتها للتعرُّف على والدها تحت غطاء معيَّن، ويريد النصيحة.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله.
أثابَكم الله على ما تُقدِّمونه من نصائحَ نافعةٍ، واستشارات مفيدة،
في صالح المسلمين.
أنا شابٌّ موظَّف في العَقد الثالث مِن عُمري، وأُريد العفاف؛ لكني أَرفُض
الطريقة التقليدية للزواج؛ لأنه في عُرفنا لا يوجد أيُّ تواصُلٍ مع المخطوبة
قبل العَقد، وهناك أمور لا بد مِن الاتفاق عليها قبل أن نَمضي معًا.
لذا؛ قررتُ الزواج من خلال أحد مواقع الزواج الموثوقة، وبالفعل
وجدتُ ضالتي، وكان التواصل محترمًا ومحكومًا بالشرع والعُرف، ولكن المشكلة
أن الفتاة تَبعُد عنا ما يَقرُب من 650 كلم، ولا يوجد أي رابط قرابة
أو معرفة، وأهلُها لا يَعرِفون أمرَ تسجيلها في الموقع؛ لذا قررتُ أن أُسافر
إلى مدينتها للتعرُّف على والدها تحت غطاء معيَّن، فهل هناك نصائحُ أو توجيهات
تفيدني في كيفية توثيق علاقتي به، وكيفيَّة كسْبِ ثقته ليُزوِّجني ابنته؟
وكيف أَطرَح عليه موضوع رغبتي في مصاهرته؟ فالعادة جرتْ أن
تبدأ الخِطبة مِن عند النساء وتنتهي مِن عند الرجال؟
جزاكم الله خيرًا
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فجزاك الله خيرًا أيها الابن الكريم لحرصك على العمل بالضوابط التي
ذكَرها أهلُ العلم للدخول على مواقع الزواج، وكنا قد أشرنا لشيءٍ
من هذا في الاستشارتين: تعرفتُ على شاب عبر الإنترنت ويريد خطبتي
فهل أتصل به؟!، من مشكلات زواج الإنترنت.
الابن الكريم، أفضل ما تبدأ به طريقَ الارتباط بتلك الفتاة:
صلاةُ الاستخارة والافتقارُ إلى الله تعالى، فتردُّ الأمر كلَّه إليه، وتتبرَّأ
مِن حَولك وقوَّتك إلى حَول الله وقوَّته، ومِن عِلمك ومعرفتك إلى علم الله
بعواقب الأمور ومآلها، والنافعِ منها والضارِّ، فنسبةُ علوم الخلائق إلى
عِلمه سبحانه كنَسبة قُدرتهم إلى قدرته، وغناهم إلى غناه، وحِكمتهم
إلى حِكمته، وهكذا، ومن ثمَّ - سلَّمك الله - كان مضمونُ الاستخارة التوكُّلَ
والتفويضَ، ثم الرضا بما يقضي الله، وكلُّ هذا عنوانُ السعادة،
ومن أجل تلك المعاني الكبيرة، ولعموم الحاجة إليها، وللتنبيه على
شدة الاعتناء بها؛ حرَص الرؤوف الرحيم صلَّى الله عليه وسلم على
الأمر بالاستخارة؛ كما في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عند
البخاري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا الاستخارة
في الأمور كلِّها، كما يُعلِّمنا السورة من القرآن يقول:
( إذا همَّ أحدُكم بالأمر، فليَركَع ركعتين مِن غير الفريضة، ثم ليَقُلْ:
اللهم إني أَستخيرُك بعلمِك، وأَستقدرُك بقُدرتك، وأسألكَ مِن فَضْلك
العظيم، فإنك تَقدِر ولا أَقدِر، وتَعلمُ ولا أَعلمُ، وأنت علَّامُ الغيوب،
اللهم إن كنتَ تَعلمُ أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري
- أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقْدُره لي ويسِّره لي، ثم بارِك لي فيه،
وإن كنتَ تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري –
أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصْرِفه عني، واصْرِفني عنه،
واقْدُر لي الخير حيث كان، ثم أَرْضِني )،
قال: ( ويُسمِّي حاجته ).
هذا الدعاء الذي هو توحيدٌ وافتقارٌ وعبوديةٌ وتوكُّلٌ وسؤالٌ لمن بيده
الخير كله، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يَصرِف السيئات إلا هو،
الذي إذا فتَح لعبده رحمةً لم يستطع أحدٌ حبسَها عنه، وإذا أمسَكها لم
يَستطع أحدٌ إرسالها إليه.
فهذا الدعاء هو الطالع الميمون السعيد، طالع أهل السعادة والتوفيق
الذين سبَقت لهم مِن الله الحسنى، لا طالع أهل الشِّرك والشَّقاء
والخِذلان الذين يجعلون مع الله إلهًا آخرَ، فسوف يعلمون.
فتضمَّن هذا الدعاء الإقرارَ بوجوده سبحانه، والإقرارَ بصفات كماله مِن
كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيَّته، وتَفويض الأمر إليه،
والاستعانة به، والتوكُّل عليه، والخروج مِن عُهدة نفسه، والتبرِّي من
الحَوْل والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزِه عن عِلمه بمصلحة نفسه
وقُدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كلَّه بيد وليِّه وفاطره وإلهه الحقِّ.
والمقصود أن الاستخارة توكُّل على الله، وتفويضٌ إليه، واستقسامٌ
بقدرته وعِلمه، وحُسنُ اختياره لعبده، وهي مِن لوازم الرضا به ربًّا،
الذي لا يَذوقُ طعم الإيمان مَن لم يكن كذلك، وإن رَضِيَ بالمقدور بعدها،
فذلك علامةُ سعادته ؛ قاله الإمام ابن القيم في
زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 404).
وبعد تلك الوقفة الضرورية يتبيَّنُ لك أن إحسانَ التوكُّل على الله،
وتفويضَ الأمر إليه، سيكون اللَّبِنةَ الأساسية في تَقوِيةِ علاقتكَ مع
والد الفتاة، وكسْبُ الثقة إنما يكون بالصدق والوضوح في الكلام، وعدمِ
الجنوح إلى المبالغة أو التعريض، مع مراعاة العُرْف السائد، ثم كلِّمه
عن نفسِكَ وطموحاتكَ، وما تُحسنُه، وعن أُسرتك بصورةٍ تفصيليةٍ،
وأَشْرِكه في بعض خصوصياتكَ، وأحسِن الاستماع إليه، وكن صبورًا
وهادئًا، فهذه طريق مُجرَّبة في تقوية العلاقة، وكسْر الحواجز النفسية.
أسأل الله أن يُقدِّر لك الخيرَ حيث كان، وأن يُلهمَك الرشد والسداد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق