زوجي يشك في ولا يسمح لي بالخروج
أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
♦ الملخص:
سيدة متزوجة ولديها أولادٌ، تشكو مِن زوجها الذي يَشكُّ فيها باستمرارٍ،
ويَحْبسُها في البيت، وتُفَكِّر في الطلاق، لكن تخاف على أولادها الصغار.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا سيدة متزوجة منذ 8 سنوات، وللأسف منذ أن تزوجتُ وأنا
محبوسةٌ في بيتي، وزوجي يُسافر بالشهور ويَمنعني مِن الخروج،
كما يَمنعني مِن زيارة أهلي الذين يبعدون عني مسافة 5 دقائق فقط!
ومِن أول الزواج وأنا أعيش في ذُلٍّ وإهانةٍ أنا وأولادي.
زوجي شكَّاك بطبعِه، ويُفتِّش في كلِّ شيءٍ، ويَسْأَلُني بالتفصيل عن
كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، ويَتشاجَر معي على أتفه الأشياء؛
لاعتقاده أني أُخفي عنه شيئًا!
كثيرًا ما يُحاول أن يُقنعني أني مريضةٌ نفسيًّا، مع أنه هو مَن يحتاج طبيبًا نفسيًّا؛
فهو يُرافق النساء، وكان يحكي لي تفاصيل حياته حتى فترة قريبة،
وكنتُ أعتقد أنه يكذب ولم أكن أُصدقه.
مِن كثرة الهموم التي أعيش فيها فكَّرتُ في الانتحار؛ حتى أتخلَّص
من هذا العذاب، وقد كلَّمْتُ أهله أكثر مِن مرة، وشَكَوْتُ لهم وبكيتُ،
لكن لا حياةَ لِمَنْ تُنادي، فكَّرتُ في الطلاق، لكنْ لديَّ أطفال، ولو طلبتُ الطلاق
فلن آخذَهم! واجهتُه بكرهي له، لكنه سَبَّني، وأنا إنسانةٌ محترمة جدًّا.
أفكِّر تفكيرًا جديًّا في الطلاق، لكني أخاف مِن تلك الخطوة، فأخبِروني
برأيكم ومشورتكم، ماذا أفعل؟
الجواب
أيتها الكريمة، حياكِ الله.
"إنها تفهم معنى الحياة كما يَفْهَمُها الرجل، فيجب أن يكونَ حظُّها منها
مثل حظِّه.
يجب أن يُنفِّس عنها قليلًا مِن ضائقة سجنها لتفهمَ أنَّ لها كيانًا مستقلًّا،
وحياةً ذاتيةً، وأنها مسؤولةٌ عن ذنوبها أمام ربها لا أمام الرجل!
يجب أن نحترمها لتتعوَّد احترامَ نفسها، ومَن احترَم نفسَه
كان أبعد الناس عن الزَّلَّات والسقطات.
لا يمكن أن تكونَ العبوديةُ مصدرًا للفضيلة، ولا مدرسةً لتربية النفوس
على الأخلاق الفاضلة والصفات الكريمة، إلا إذا صحَّ أن يكون
الظلامُ مصدرًا للنور، والموت علةً للحياة".
هكذا تَحَدَّث الأديبُ الراحل مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله عن المرأة
واحترامها في المجتمعات الراقية، وعلى رأسها المجتمعُ الإسلامي.
عزيزتي، إنَّ النفس البشرية تتأثَّر بما حولها مِن ظُلمٍ على حسب شدتِه
وضَعْفِها، أو تقف في مواجهته متى ما قويتْ وأُلهمتْ حجتها.
لا أتفهَّم وَضْع أهله، وكيف يرضون ذلك منه دون خوفٍ عليه مِن الآخرة
وعقابِ الله، وهذا يُؤيد فكرة راوَدَتْني وهي: أنه قد دأب على ذلك، ونشأ
على تلك الفواحش؛ فصار مِن الصعب تغيير سنواتٍ مَضَتْ، والسير
في طريق الصواب، وليس لديَّ نصيحةٌ قويةٌ قد تنفع في التعامل مع رجلٍ
أَوْقَعَ نفسه في بحار الطين، وأحاط فِكرَه بأسوار الشك الشائكة؛
إذ لن يهنأَ بالحياة مع الساقطات ثم يثق في أهل بيته؛ لأنه يعلم أنَّ
الجزاءَ كثيرًا ما يكون مِن جنس العمل، وأنَّ الله قادر على أن يبتليه
بما أوقع فيه النساءَ، وأن يُريه مِن أهل بيته ما يكره! فصار يتعوَّذ
مِن تلك الأفكار بمزيدٍ مِن الحماية وكثيرٍ مِن التأمينات التي لم تروِ
ظمأه ولم تُسكتْ صدى وساوسه!
وما دمتِ قد انتظرتِ كل تلك السنوات، فاتخذي موقفًا أكثرَ صرامةً،
وأشدَّ قوةً، وأكثرَ أمنًا؛ لحماية أبنائكِ من والدٍ ضررُه أكبرُ مِن نفعِه؛
وذلك بأن تذهبي إلى بيتِ أهلك للبقاء فيه فترةً كمُهلة تمنحينه إياها؛
ليَسْعَى جادًّا للاستقامة والعودة إلى طريق الصواب، وليجلس أحدُ العقلاء مِن أهلك
إن لم يكنْ لديه مِن أهله مَن يصلح لمشاركته ذلك النصح بطريقةٍ تجمع
بين الحزم واللين، فيُحادثه محادثةَ الوالد المُشفق على ولدِه، لا محادثة
أهل الزوجة وما يَحرصون به على ابنتهم وسعادتها واستقرارها.
والسؤال هنا: هل سبَق وأنْ نَصَحَهُ أحدٌ، ووعَظَهُ بالرِّفْق، ودعاه بالحسنى؟
أو أنكِ وأهله ومَن حوله لا يَتَحَدَّثون إلا مِن باب العيب والذي لا يليق به كأبٍ؟!
اعلمي أن النُّصح له أسلوبُه، وله الكثير مِن الأمور التي ما إنْ رافقَتْهُ
صارت الموعظةُ أقوى وأشد تأثيرًا، وما إن خلا منها صارتْ جوفاء
لا قيمة لها.
فاحرصي على احتوائه، وبثِّ الثقة فيه واحترامه، وإظهار الحِرْص
الصادق عليه، والدعاء له بصوتٍ يَسْمَعُه، وغيرها مِن الرسائل الإيجابية
التي قد تُغَيِّر مِن حاله ونظرته لنفسِه.
فإن لم تُفلحي واستنفدت الفرص فربما يحصل التفكير في الانفصال ولكن
بصورةٍ عمليةٍ وواقعيةٍ، كأن يتمَّ الاتفاق بين الأسرتينِ على مبلغٍ ماليٍّ
يَلْتَزِمُ به الزوجُ كنفقةٍ للأولاد بصورةٍ وُديةٍ، مِن باب الحرص على سُمعة العائلة.
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل
منقول للفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق