( اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ)
الشرح :
في هذا الحديث بيان لأمرٍ عظيمٍ ، و شأنٍ خطيرٍ و كبيرٍ ، وهو أن
اللَّه جلّ قدره هو الذي يتولّى قلوب العباد بنفسه ، فيصرّفها كلها كقلبٍ
واحدٍ كيف يشاء ، باقتدار تام ، لا يشغله قلب عن قلب ، وأنه هو جلّ
و علا يتولّى الأمر بنفسه ، لا يكله لأحدٍ من الملائكة ، و لم يُطلِعْ أحداً
على سرائره من خلقه لمحض رحمته و فضله ، و كمال حكمته جلّ وعلا،
وفيه بيان أن العبد ليس إليه شيء من أمر سعادته ، أو شقاوته ، بل إن الأمر
كلّه للَّه ، فإن اهتدى فبهداية اللَّه تعالى إيَّاه ، و إن ضلّ فبصرفه له بحكمته
و عدله ، وعلمه السابق عز وجل فلعظم هذا الأمر كان سيد الأولين والآخرين،
المزكَّى من رب العالمين ، مفتقراً إلى اللَّه عز وجل في كل حين بالدعاء ؛
لتثبيت قلبه على دينه و طاعته ، فكيف بنا نحن؟ فهذا التعليم
المهمّ منه صلى الله عليه و سلم لأمته أن يكونوا ملازمين لمقام الخوف،
مشفقين غير آمنين من سلب الدين واليقين و الإيمان ، [ و لكن مع ذلك
لا ييأسون من رحمة اللَّه تعالى ، بل يجمع العبد
بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة] .
قوله : ((صرِّف قلوبنا على طاعتك)) : أي ثبِّت قلوبنا ، و اصرفها
إلى طاعتك و مرضاتك في كل ما تحبه من الأقوال ، و الأعمال و الأخلاق .
و قوله : ((على [طاعتك])) أي أن ينقلب القلب من طاعة إلى طاعة أخرى،
من صلاة إلى صيام إلى زكاة) ، فسأل اللَّه تعالى الثبات على الدين
جملة وتفصيلاً ، و دلَّ الحديث و الذي بعده على أهمية التوسّل إلى اللَّه
تبارك وتعالى بأفعاله و منها ((التصريف)) الفعلية التي تتضمّن كمال المشيئة ،
و الحكمة البليغة ، و كذلك [يدل على] صفة((الأصابع)) الذاتية الجليلة ،
[على الوجه اللائق باللَّه عز وجل ، لا يشبه أحداً من خلقه
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق