علمني الإسلام أن أذكر الموت وأقصر من الأمل، فالموت يذكرني
باليوم الآخر وما فيه من حساب، ويبعدني من الالتهاء بالدنيا والغرور
بنعيمها، ويقربني من العبادة وطلب العفو من الله، ويحد من طغيان
النفس وظلم الإنسان .
وليس في الدنيا ما يشجع على الحياة، وفيها ما ينتظر المرء من الفقر
المؤذي، أو الغني المطغى، أو المرض المفسد، أو الهرم المفند،
أو الموت المجهز ، فبم يزيد الإنسان من أمله، ويحلم بالنعيم الزائل،
وأمامه ما ذكر ؟
إن حفرة عميقة مظلمة تنتظره، ستكون حديثة خضراء إن حسب
حسابها، وستكون بؤرة من نارً إن سها عنها، والعاقل يوازن ويختار .
يقول الحق سبحانه :
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ
عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }
[آل عمران: 185] .
ومن السبل التي تذكرني بالموت زيارة القبور، فلا دور هناك ولا أسواق،
ولا أشجار ولا أنهار، إنما هي بقايا أعظم وأشعار، وشواهد أحجارٍ
وآثار، تذكر بأسماء كانت لها حياة على الأرض فصارت تحت التراب،
وكأنها تقول لي : سيأتي دورك، وستنتهي أنفاسك أيها الإنسان .
وإذا لم يتهيأ لي زيارة القبور حللت ضيفًا على علماء عارفين،
يذكرون بالموت، فيرققون القلب، ويرطبون العين، فيخشع الجسد
ويقشعر البدن، وتطهر النفس، وتسمو الروح، حتى يغدو المرء كالملك،
لا غرض له في هذه الحياة ولا أرب !
وإذا قصر في هذا أيضًا، فلا أقل من أن ينقلب إلى كتب الزهد والرقائق،
فيداوي نفسه الأمارة بها، ويتنقل بين أخبار المؤثرين الدين على
الدنيا، والمفضلين التعب على الراحة، ورضا الله على رضا النفس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق