لا شَكَّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم إنسان في تاريخ
البشرية، وأنه تام الخَلْق والخُلُق؛ وكيف لا وقد قال فيه ربه عز وجل:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
[القلم: 4]،
وهذا الفضل له صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة؛
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه:
( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ،
وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ )
الرسول قدوتنا
ولقد شهد لرسول الله صلى الله وسلم الجميع -مسلمون وغير مسلمين-
قديمًا وحديثًا بهذه الشهادة، وهي أنه صلى الله عليه وسلم أفضل البشر،
وأَثْنَوْا على صفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم.
وما من إنسان يُمكن أن يُوضع في مقارنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
فهو السابق في كل الأمور في التقوى والشجاعة، والجود والرحمة،
والحلم والتسامح.. وكافة صنوف الأخلاق الحميدة.
ومن أجل هذا فإن الله عز وجل جعله أسوة وقدوة للناس:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
[الأحزاب: 21].
فهو في الجود كان صلى الله عليه وسلم «أَجْوَدَ النَّاسِ» . وفي الإقدام
والشجاعة قدوة؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
«لَمَّا حَضَرَ الْبَأْسُ يَوْمَ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ
مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى المُشْرِكِينَ مِنْهُ» .
وفي الوقت نفسه كان قدوة في الحِلم؛ فهو «يَسْبِقُ حُلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ
شِدَّةُ الجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا» . وفي الصدق والأمانة هو الصادق الأمين.
وفي سائر الأخلاق يصفه أصحابه
رضي الله عنهم بأنه صلى الله عليه وسلم
«أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً
، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ،
يَقُولُ نَاعِتُهُ : لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ».
الاقتداء بالرسول
ولأنه صلى الله عليه وسلم هو أسوتنا وقدوتنا في كل أمر؛ فإنه لم يترك
أمرًا من أمور الحياة كبُر أم صغُر إلَّا وأوضح لنا أصول التعامل الصحيح
معه؛ لكي تستقيم خطواتنا على سبيل الشرع الإسلامي، ولا تحيد عنه
فتزلّ ونهلك؛ يقول صلى الله عليه وسلم:
( مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلا أَمَرْتُكُمْ بِهِ،
وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ... ).
ولِتَحَقُّق الفائدة من الأسوة والقدوة فقد أمرنا الله عز وجل أن نأخذ ما جاء
به الرسول صلى الله عليه وسلم:
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
[الحشر: 7].
وقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي ثلاثًا وعشرين
سنة، حدثت فيها جميع أجناس الأعمال التي يمكن أن تقع للإنسان
والمجتمع والدولة؛ منها ثلاث عشرة في مكة حيث الكفر مسيطر
على الأوضاع، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس سرًّا وجهرًا،
والصحابة يستخفون بإيمانهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يُقابل
أصنافًا متنوِّعين من البشر؛ منهم مَنْ يرقُّ قلبه لكلام الله، ومنهم مَنْ قلبه
كالحجارة، ومنهم المتردِّدُ والخائف والمنتفع الباحث عن السلطة.
دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والأطفال، وواجه ردود
أفعال قريش من التكذيب إلى السخرية والاستهزاء إلى التشويش على
دعوته، ثم العداء السافر بالاضطهاد والإيذاء له صلى الله عليه وسلم
والتعذيب لأصحابه رضي الله عنهم.
وفي المدينة قام الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء دولة مختلفة
الأعراق والأجناس؛ انطلاقًا من مجتمع حافل بالصراعات والمنافقين.
صاغ الرسول صلى الله عليه وسلم دستورًا للدولة، وتعامل مع الدول
والقبائل، وراسل الملوك، وخاض الحروب بتوكُّل على الله عز وجل،
وتخطيط مُحْكَم وإعداد شامل للقوَّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق