الجواب
وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته.
بنيتي العزيزة، حياكِ الله مُجددًا، وأزال همَّكِ، وكَشَف كَرْبكِ، وددتُ لو
أني إلى جواركِ أُكفكِف دمعاتكِ، وأخفِّف أنَّاتكِ، وأربتُ على كتفكِ،
قائلةً لكِ: اهدئي؛ فما أحقرَ هذه الحياة الدنيا!
وما أشد ابتلاءاتها! وما أكثر أحزانها!
شعرتُ وأنا أقرأ حديثكِ الذي خرج مِن القلب - وكان بمثابةِ تفريغ
لشحنات ومشاعر سلبية، مُشبعة بالإحباط والقنوط - بمرارةٍ وحزنٍ وأسى على
ما آل إليه حالُكِ مع زوجكِ الذي كان أملَكِ الأخير في تحصيل السعادة
في الدنيا، لكن هل يقدرُ أحدُهم على سلبكِ سعادة الآخرة؟ مستحيل!
دعينا مِن الحدث الأخروي الآن، فيبدو أن كلَّ ما أود أن أقوله معلومٌ لديكِ،
ولنركِّز على ما تعانين مِن مشكلات، ونضعه في نقاط مُحدَّدة ليسهل علينا مناقشته:
• أولا:
زوجكِ يُعاني اكتئابًا واضحًا، يؤثِّر في حياته سلبًا.
• ثانيًا:
الاختِلاف الكبير بين شخصياتكما أدَّى إلى فجوةٍ عميقةٍ.
• ثالثًا:
فتنتكِ بالرجال لتقصير زوجكِ في حقِّكِ.
• رابعًا:
سلوكه السيئ مع أختِه.
• أولًا:
لن يعترفَ بأنه يُعاني الاكتئاب، رغم وضوحِ الأعراضِ عليه بشكلٍ
لا يدَعُ مجالًا للشك؛ فالانغلاق، والكسل، وقلة التحاور، وإهمال النظافة الشخصية،
كلها مؤشراتٌ واضحةٌ عليه، وأنصحكِ هنا بضرورة عرْضِه
- ولو بأسلوبٍ غير مباشر - على طبيب نفسيٍّ؛ ليصفَ له العلاج المناسب،
كأن تقترحي عليه مُرافقته للطبيب من أجل كثرة النوم فقط، دون ذِكر
اسم الاكتئاب أو العلاج النفسي، المهم أن تحاولي اصطحابه بشتى
الطرُق؛ ففي علاج الاكتئاب الحل لكثيرٍ مِن معاناتكِ معه.
• ثانيًا:
ربما هذا الاختلاف ليس بينكما فقط؛ فتساؤله حول جُرْح إصبعكِ
لا غباء فيه، وإنما فقط برود وردَّة فعل هادئة مما لا يروقكِ ولا يرضيكِ
في موقف كهذا، ودَعِيني أصارحكِ بأن الرجلَ يختلفُ عن المرأة هنا اختلافًا كبيرًا،
فلو جرح الرجل إصبعه وذهب يُخبِر زوجته بذلك؛ فهو لا ينتظر منها
تعاطُفًا أو تباكيًا مِن أجله، أو حتى يرجو أن تضمه وتُشعره بحنانها،
بقدر ما ينتظر التصرُّف العملي، فإن كان ثمَّة ما يودُّ منها فعله؛
فهو المسارعة بإحضارِ ما قد يخفِّف الجرح، أو ألَّا تطالبه بأعمالٍ قد تزيد
جُرْحَه أو أي تصرف عملي، وإنما تشكو المرأة مِن ذلك لا لشيءٍ إلا
للتفاعل العاطفي، ولا تنتظر منه إلا قول:
سلمكِ الله حبيبتي، مع إظهار بعض التعاطف.
وفي هذا لا يختلف زوجكِ كثيرًا عن سائر الرجال، وإنما يحاوركِ
عما يُمكنه فعله من أجلكِ، ويستفسر فقط حول عمق الجرح،
مع العلم أنه يراكِ تتحدثين إليه بعافية - سلَّمكِ الله من كل سوء
- كما أن تكرار جرح إصبع المرأة أثناء الطهي لا يُشعر زوجها ببالغ
أهمية ذلك، ولا أظن كثرة تساؤلاته إلا مِن باب التجاوب معكِ،
وليس لأنه لم يفهم ما حدث، بل يفعل ذلك؛ ظنًّا منه أنه يرضيكِ ويُسعدكِ!
فحاولي فهمَ زوجكِ أكثر، والتقرُّب إليه، والنظر مِن منظاره
الرجولي؛ لترتاحي وتهدئي، أو على الأقل لتتفهمي موقفه.
• ثالثًا:
لا شك أنَّ المرأة تُحب مِن زوجها مثل ما يحبُّ منها؛ وتُفتن بالرجال
كما يُفتن الرجل بالنساء؛ ولهذا أمر اللهُ الرجال بغضِّ أبصارهم، وتلاه
بأمر للنساء؛
{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... }
[النور: 30، 31]،
وللمرأة على زوجِها مِن الحقوق كما له عليها؛
{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
[البقرة: 228]؛
قال ابنُ عباس - رحمه الله -:
إني لأتجمَّل لامرأتي كما أُحب أن تتجمَّل لي
، والكثير مِن الرجال - بكل أسف - لا يلقون لذلك بالًا، ولا يعتقدون
أنَّ المرأة تُحب أن ترى منهم ذلك الاهتمام وتلك الرِّعاية والاعتناء
بأنفسهم، وأنها تُفتن مثلهم تمامًا!
هذا كله يُلام عليه الزوجُ، وهو مأمورٌ بالمعاشَرة بالمعروف؛
{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }
[النساء: 19]،
إلا أنه في حالاتٍ كثيرة مشابهة يُعاني فيها الزوج لكن في صمت،
فقولكِ: إنه يتهمكِ بالتقصير في حقه؛ لما تحرمينه مِن حق مشروع؛
لا يُبرر تقصيره في حقكِ، ولا يحق لكِ ذلك إلا أنْ تكوني مُكرَهة،
وإن كان عليكِ حمله على الاعتناء بنفسه، وتعهد أسنانه بالتنظيف
والعلاج، فإنْ أبى في البداية العلاج، فلا أقل من غسلها المتكرِّر،
مع استخدام الغَسُول بشكلٍ يوميٍّ؛ حيث يقوم الغسول بتعقيم الفم وتعطيره،
ولو كان لديه مشاكل في اللثة أو الأسنان.
ثم أودُّ لفتَ انتباهكِ الكريم لنقطة هامَّة، فالرجلُ حين يُعاني الحرمان
الجسدي لا يُقدِّر زوجه، ولا يوليها عنايته، أو يمنحها حنانه،
أنتِ مضطرة! قد تكونين كذلك، إلا أن مفتاح الحل نصفه في يدكِ،
فاعملي على فتْحِ الجزء المُغلق لتُفتح سائر الأجزاء.
بوضوحٍ، أنصحكِ بالتعاون معه، والقضاء على كلِّ ما يؤرقكِ في
العَلاقة الخاصة؛ لتكون مصدر سعادتكما معًا، زوجكِ لا يشعر بالإشباع –
يا عزيزتي - ويظهر ذلك في الكثير مِن تصرُّفاته السيئة، وقد باح لكِ
بشيءٍ مما يُعاني منه حين وضَّح لكِ - وبكل صراحة - أهمية القُبْلة
بالنسبة إليه، ووَصَفَها بالشيء العظيم! في حين تحرمينه منها،
فإلى أين سيهرب؟ وكيف سيفرغ ذلك الكبت - أيتها الفاضلة؟
فكِّري في الأمر، وحاولي أن تجعلي مِن هذه العَلاقة مصدر سعادته،
وسترين - بإذن الله - اختلافًا ملحوظًا في سلوكه واستجابته.
• رابعًا:
في بعض البيوت التي لا يراعي فيها الوالدانِ أبناءهما، ولا يعتنون
بهم إلا جسديًّا، قد تختل سلوكياتهم وتنحرف بما لا يليق مع
الأعراف الطبيعية والأخلاق الفاضلة، ولا أخفي عليكِ ما انتابني مِن شعورٍ بالتقزز
مما ذكرتِ عن حاله مع أخته، ولكن الوضع تحسَّن كما ذكرتِ منذ مدَّة،
ولم يبق إلا دور الزوجة الصالحة؛ لتعزِّز في زوجها إحساسه بالرجولة،
وتملأ مشاعره حبًّا، وتُغنيه عن سلوكٍ شاذٍّ، وتصرف مشين غير مقبول،
بما أباح الله لها، فعليكِ بتعاهده - كما أشرتُ سابقًا - وإشباع غرائزه،
وتوجيهه إلى الوجهة السليمة، وتقويمه بالطريقة الشرعية المُباحة.
في النهاية، قد يكون مِن حقِّكِ طلَب الطلاق لما تعانين من زوجكِ،
وما تقاسينه معه من مشكلات عاطفيةٍ ونفسية، ولإهماله لكِ ولأسرته،
إلا أني أرى بوادر الإصلاح تناشدكِ الصبر، وبذل المزيد مِن
المحاولات لإصلاحه؛ ففي الطلاقِ مفاسد لا حصر لها لكِ وله وللطفلة الجميلة
التي تؤنس وحدتكِ وتملأ حياتكِ - بارك الله فيها - وقد قاسيتِ
وعاينتِ بنفسكِ الحرمان الأسري في ظل وجود الأب والأم، فكيف سيكون
حالها في ظل انفصال أبويها؟
الطلاقُ ليس راحة كما تتوقَعين من كافَّة المشكلات ولا نهاية العذابات،
وإنما هو تحوُّل جديد مما تعانين منه، وتغيُّر في شكل المشكلات،
وموت مشكلات وولادة أُخر!
فاستعيني الله، وتوكَّلي عليه، وفوِّضي أمركِ إليه، واعزمي على
استرجاع زوجكِ وانتشاله مما قد غرق فيه.
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق