السؤال
♦ الملخص:
فتاة تقدَّم لها شابٌّ على خُلُق ودين، مِن بلد غير بلدها، لكنها مترددة،
ولا تعلم هل هو فعلًا على خُلُق أو لا؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تقدَّمَ لخطبتي شابٌّ متدين خَلُوق مِن بلد غير بلدي، أحسستُ بشيءٍ
مِن القبول تُجاهه أثناء الرؤية الشرعية، وإخوتي وأبي وافقوا عليه
بعدما تحدثوا معه وسألوا عنه، لكنني خائفة مِن المجهول،
فأنا لا أعرف عائلته، ولا أتكلم لغته، وما يُثير خوفي أكثر هو
ابتعادي وعيشي خارج بلادي،
وأنا لا أضمن إن كان فعلًا خلوقًا ومؤدبًا ومتدينًا أو لا، رغم أنه يُصلي،
لكني لا أصدق فعلًا هل هو كذلك أو لا!
أنا إنسانة أخاف مِن المستقبل، وقد صليتُ صلاة الاستخارة والأمور
تسير بخير، لكن في بعض الأحيان أتذبذب ويُوسوس لي الشيطان،
ولا أدري ما الذي أفعله.
أشيروا عليَّ بما يمكنني فِعلُه
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أيتها الكريمة حياكِ الله.
إنَّ الخوف مِن المستقبل شعورٌ فِطريٌّ يُصاحب كل إنسان، ويُفكِّر فيه
كلُّ أحدٍ، لكن الله تعالى تَكفَّل بحفظ المُسلم الذي يَحفظ الله بإقامة حدوده،
واجتناب نواهيه؛ فقد ورَد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:
كنتُ خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال:
( يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفَظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك،
إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، واعلم أن الأمة لو
اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتَبَهُ الله لك،
ولو اجتمعوا على أن يَضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتَبَهُ الله
عليك، رُفعت الأقلام وجفَّت الصحُف ).
فقد جَمَع هذا الحديثُ الشريف كل معاني التوكل، ولَخَّصَها ببلاغة رائعةٍ؛
فالغيبُ لا يعلمه إلا علامُ الغيوب، وقد يتقدم لخطبتكِ مِن أبناء بلدكِ مَن
تطمئن له نفسكِ، وينشرح به صدركِ، ثم يظهر منه بعد الزواج ما لم
يكنْ في الحسبان، وقد يرزقكِ الله بمن لا تعلمين عنه إلا القليل، فيجعل
الله فيه مِن الخير والأُلفة والمودة ما لا تتوقعينه!
لا أخالفكِ الرأي في أن الزواج ممن تختلف بيئته عن العرب قد يُثير
في النفس الهواجس، ويصيب القلوب بالقلق، فكيف لو تباعدت البيئات،
وتناءت المسافات، واختلفت الألسنة، وتبايَنت ملامح الحياة؟!
وهنا يأتي دورُ البحث والتأمُّل في حال أهل الخاطب والتعامل المستمر
معهم قبل توقيع الاتفاقات وإبرام المعاهدات؛ فلماذا لا تتم خطبة تستمر
لوقتٍ يكفي للحكم عليهم بصورة أشمل، وتكوين فكرة أعمّ؛ وليكن
بتبادُل الزيارات بين العائلتين إن قُدِّر لكم لقاؤهم، أو كثرة الحديث
معه إن كان يعيش بمقربة منكم، ومحاورته حول كيفية تعاملكِ مع
أهله فيما بعد إن لم يكونوا يُحسنون العربية، والنظر في حاله مِن
حيث إجادةُ اللغة؛ فبعضُ هؤلاء الطلاب يتقنون اللغة بدرجة تكفي
للتعامل معهم، وبعضهم لا يُحسن منها إلا القليل مِن العبارات التي
لا تسمح بفتح حوارات، وتقتصر على تبادُل التحيات!
مثلُ هذه الأوضاع غير الواضحة لا حلَّ لها إلا بمدة كافية مِن الخطبة
يتم فيها أخذُ القرار بأريحية ودون أية ضغوطات، مدة تكفي لكثيرٍ مِن
الأمور أن تتضحَ، والأسئلة أن تظهر أجوبتها واضحة جلية تُعين
على اتخاذ القرار الصائب بإذن الله.
لفتة أخيرة، إنَّ حديث:
( إنْ جاءكم مَن ترضَون دينه وخُلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في
الأرض وفساد عريض )،
لا يعني: فرضية قبول الخاطب مطلقًا، وإن استقام دينه، وإنما يقصد
به الحث على تقديم الدين على غيره مِن المعايير الدنيوية المادية.
فمتى ما تبيَّن لكِ أن في ردِّه خيرًا لك فلا تلتفتي للوساوس، ولا
تستمعي للهواجس.
وأرجو أن يخلفَ الله عليكِ وعليه خيرًا إن لم يُقدَّر لكما الزواج،
ويبارك فيكما وعليكما إن قُدِّر لكما الزواج.
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق