أ. شروق الجبوري
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
تبدأ مشكلتي منذ طفولتي؛ إذ تربَّيْتُ في بيتٍ فقيرٍ؛ فقيرٍ في العلم، والثقافة، والأمان، والمال، بيتٍ يتكوَّن مِن والدي الذي كان يتّسمُ بالبُخل والقسوة "حفظه الله"، وأمٍّ تُعاني من الوسواس "عافاها الله"، وضعف الشخصية!
كنتُ ممنوعةً مِن كلِّ شيء، حتى مِن الكلام والخروج! لا أعرف كيف تسير الدُّنيا، وبالرغم مِن ذلك كنتُ متفوِّقة دراسيًّا، حرصتُ على التفوُّق منذ كان عمري 10 سنوات؛ أملًا في التوظيف والعمل الجيِّد، ضغطتُ على نفسي واجتهدتُ، وكنتُ أتعب لأحَقِّق أمنياتي وأحلامي، وفَّقني اللهُ وتخرَّجتُ في إحدى الكليَّات، وتخصَّصتُ في الفيزياء، ولكن بعد العناء الذي ذُقتُه في كليتي، أصبحتُ عاطلةً عن العمل! وجلستُ أتحسَّر على شبابي، وتعبي ووقتي اللذَيْن ضاعا في هباءٍ.
قريتي التي أعيش فيها فقيرةٌ، لا توجَد فيها خدمات، أُصبتُ باكتئابٍ شديدٍ، وأصبحتُ حزينةً طوال الوقت، حتى الزواج عندما تمنيتُه ندمتُ أني فكَّرتُ فيه؛ إذ لا تتوفَّر في الشروطُ المطلوبةُ في مجتمعي؛ من حسَبٍ، ومالٍ، وجمالٍ، مما جعلَني أكتئِبُ وأتحسَّر على نفسي أكثر وأكثر.
ضاعتْ حياتي، وضاع مجهودي هباءً، وضاع تعب سنوات مِن المذاكرة، أبحث عن أي وظيفة فلا أجد! أخبروني ماذا أفعل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نشكُر لكِ تواصلكم وثقتكم، داعين اللهَ - تعالى –
أن يستخدمَنا، ويسخِّرَنا في تفريج كُربتكِ وكُرُبات جميع المستشيرين.
عزيزتي، تعوَّدتُ في ردِّي على رسائل المستشيرين أنْ أسْتَنْبطَ منها سِماتِهم الإيجابيَّة؛ لأبنيَ عليها الردَّ، لكني وجدتُ في الجزء الأول مِن رسالتكِ
ما يعكس كلَّ مُقوِّمات وسمات الإنسان الناجح والإيجابي، والذي يتعامَل
مع الصُّعوبات والمعوِّقات بتحدٍ طَموحٍ ودؤوبٍ، وواقعيَّة جعلتْه يُذلِّل - فعلًا - تلك المعوِّقات التي تحُول دون نجاح الكثيرين، فأنتِ - يا عزيزتي - تمثِّلين في الجزء الأول مِن الرسالة نموذجًا عمَليًّا لكثيرين، رجالًا ونساءً، وليس للفتيات فقط.
ولهذا، فإنَّ مُشكلتَكِ اليوم لا تكمُن في عدم وجود العمل، أو الزوج،
أو ما تعتقدينه حائلًا بينكِ وبين الوصول لهما، بل إنَّ المشكلةَ تكمُن
في (شُعُوركِ) بالإحباط والتَّعب من المواصَلة والسعيِ في تذليل العقَبات الجديدة، بنفس الرُّوح والإصرار الذي اتسمتِ بها سابقًا، ولو تأمَّلتِ –
يا عزيزتي - بحِياديةٍ بعيدةٍ عنِ التأويلات السوداوية التي تنأى عن
الصواب – في المعوِّقات التي تُواجهُكِ اليوم، وفي قدراتكِ التي
تتحلَّيْن بها الآن، ثُم قارنتِها بما ذكرتِه في بداية رسالتكِ مِن مُعوِّقات وتحدِّيات، وبإمكاناتِكِ الفكرية والشخصية والعمرية آنذاك – فستجدين
أنَّ معوِّقاتِ اليوم تُمثِّل اليسيرَ جدًّا مما تَغَلَّبتِ عليه سابقًا.
لكن ما حال بينكِ وبين استمرار تبنِّيكِ تلك السماتِ، هو بناؤُك آمالًا
واسعة على مرحلةِ ما بعد التخرُّج بنجاح وتفوُّق، واعتبارُكِ لها
بأنها ستكون البَرَّ النهائيَّ الذي تصلين إليه بعد عنائكِ السابق،
وفاتكِ أن هذه المرحلةَ هي مرحلة جديدة من البناء والتحدِّي
لمعوِّقاتٍ مِن نوعٍ آخرَ لا بُدَّ أن تُواجَهَ بنفس الإصرارِ، بل ربما بنوعيَّة واجتهادٍ مختلفينِ، وصبرٍ وتفاؤُل كبيرينِ.
وإنكِ بالتفاتِكِ إلى ذلك، والعودة إلى الرُّوح الأولى التي تبنَّيتِها منذ كنتِ في العاشرة من عمركِ، وباليقين والثِّقة العظيمة في نصر الله - تعالى - لكِ، وأنه لا يُضِيع عمل عامل أبدًا - ستكتشفين أبوابًا كثيرةً أمامكِ ظننتِ أنها مُغلقة، فوجودُكِ - يا عزيزتي - في قريةٍ لا تتوفر فيها إمكانياتٌ كثيرةٌ، لم يحُلْ دون توفُّر الإنترنت لديكِ (على سبيل المثال)، وتواصُلكِ وانفتاحكِ على العالم واكتشافكِ له أمرٌ يُمكنكِ استثمارُه في التواصُلِ مع الهيئات أو التجمُّعات المعنيَّة بتخصُّص الفيزياء، لتبادُل الأفكارِ ومُناقَشة القضايا والمشكلات
التي تُواجِه الخرِّيجين مِن هذا القسم، أو طلبته، أو أية أمور أخرى؛
مثل: (مُلتقى الفيزيائيين العرَب)، أو
(تجمُّع طالبات الفيزياء في جامعة الملك عبدالعزيز)، أو تجمُّعات أخرى موجودة فعلًا، أو تبادرين أنتِ بإنشاءِ موقعٍ لها إذا وجدتِ أنها تسدُّ حاجةً مُعيَّنةً.
كما يُمكنُكِ أن تُفَكِّري في عرض خدمتكِ في هذا العلم الذي يستصعبه كثيرون، بمساعدة طالباتِ الفيزياء، أو ربما الرياضيَّات في المراحل المتوسطة، وربما المراحل الأعلى إن وجدتِ لديكِ القابلية والتأهُّل لذلك عبر الإنترنت، بمقابلٍ معقولٍ يُشجِّع الطالباتِ على التواصُل معكِ، ويزيدُ في إقبالهن كلما أديتِ عملَك بإخلاصٍ وإتقانٍ.
ولكِ أن تجتهدِي في أساليب الترويج لمشْروعكِ هذا بطرُقٍ عديدةٍ،
فإذا ما بدأتِ فيه ووجدتِ له صدًى، يُمكنكِ أن تجعلي منه مدرسةً
إلكترونية فيما بعدُ، فيكون بمشيئةِ الله - تعالى - عندئذٍ ابتكارًا منكِ
يسدُّ حاجتَكِ، ويسدُّ حاجات أخريات، إن التزَمْنَ شرطَيِ الإتقان،
والأجر المعقول.
واعلمي - يا عزيزتي - أن هذا لا يمنع مِن أن تجتهدي في البحث عنِ الوظيفة دون أن تيْئَسي مِن ذلك، أو تفسِّري تعطُّلَ ذلك بتفسيراتٍ سلبيَّةٍ.
أمَّا عن اعتقادكِ بعدم الزواج لِما ذكرتِه مِن أسبابٍ، فكثيرٌ مِن قليلات
الجمال لم يحُل ذلك دون زواجِهن, وقد يكون في ذلك درسٌ وموعظة لكلِّ مَن تعتقد أن تلك الأمورَ قد تحُول دون رزق الله - تعالى - وعطائه الكريم.
وأخيرًا، أختم بالدعاء إلى الله - تعالى - أن يمنَّ عليكِ بالزوج الصالح،
ويفتحَ لكِ أبوابَ فضلِه، وينفع بكِ، وسنكون سعداءَ بسماع طيِّب أخباركِ.
منقول للفائدة
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
تبدأ مشكلتي منذ طفولتي؛ إذ تربَّيْتُ في بيتٍ فقيرٍ؛ فقيرٍ في العلم، والثقافة، والأمان، والمال، بيتٍ يتكوَّن مِن والدي الذي كان يتّسمُ بالبُخل والقسوة "حفظه الله"، وأمٍّ تُعاني من الوسواس "عافاها الله"، وضعف الشخصية!
كنتُ ممنوعةً مِن كلِّ شيء، حتى مِن الكلام والخروج! لا أعرف كيف تسير الدُّنيا، وبالرغم مِن ذلك كنتُ متفوِّقة دراسيًّا، حرصتُ على التفوُّق منذ كان عمري 10 سنوات؛ أملًا في التوظيف والعمل الجيِّد، ضغطتُ على نفسي واجتهدتُ، وكنتُ أتعب لأحَقِّق أمنياتي وأحلامي، وفَّقني اللهُ وتخرَّجتُ في إحدى الكليَّات، وتخصَّصتُ في الفيزياء، ولكن بعد العناء الذي ذُقتُه في كليتي، أصبحتُ عاطلةً عن العمل! وجلستُ أتحسَّر على شبابي، وتعبي ووقتي اللذَيْن ضاعا في هباءٍ.
قريتي التي أعيش فيها فقيرةٌ، لا توجَد فيها خدمات، أُصبتُ باكتئابٍ شديدٍ، وأصبحتُ حزينةً طوال الوقت، حتى الزواج عندما تمنيتُه ندمتُ أني فكَّرتُ فيه؛ إذ لا تتوفَّر في الشروطُ المطلوبةُ في مجتمعي؛ من حسَبٍ، ومالٍ، وجمالٍ، مما جعلَني أكتئِبُ وأتحسَّر على نفسي أكثر وأكثر.
ضاعتْ حياتي، وضاع مجهودي هباءً، وضاع تعب سنوات مِن المذاكرة، أبحث عن أي وظيفة فلا أجد! أخبروني ماذا أفعل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نشكُر لكِ تواصلكم وثقتكم، داعين اللهَ - تعالى –
أن يستخدمَنا، ويسخِّرَنا في تفريج كُربتكِ وكُرُبات جميع المستشيرين.
عزيزتي، تعوَّدتُ في ردِّي على رسائل المستشيرين أنْ أسْتَنْبطَ منها سِماتِهم الإيجابيَّة؛ لأبنيَ عليها الردَّ، لكني وجدتُ في الجزء الأول مِن رسالتكِ
ما يعكس كلَّ مُقوِّمات وسمات الإنسان الناجح والإيجابي، والذي يتعامَل
مع الصُّعوبات والمعوِّقات بتحدٍ طَموحٍ ودؤوبٍ، وواقعيَّة جعلتْه يُذلِّل - فعلًا - تلك المعوِّقات التي تحُول دون نجاح الكثيرين، فأنتِ - يا عزيزتي - تمثِّلين في الجزء الأول مِن الرسالة نموذجًا عمَليًّا لكثيرين، رجالًا ونساءً، وليس للفتيات فقط.
ولهذا، فإنَّ مُشكلتَكِ اليوم لا تكمُن في عدم وجود العمل، أو الزوج،
أو ما تعتقدينه حائلًا بينكِ وبين الوصول لهما، بل إنَّ المشكلةَ تكمُن
في (شُعُوركِ) بالإحباط والتَّعب من المواصَلة والسعيِ في تذليل العقَبات الجديدة، بنفس الرُّوح والإصرار الذي اتسمتِ بها سابقًا، ولو تأمَّلتِ –
يا عزيزتي - بحِياديةٍ بعيدةٍ عنِ التأويلات السوداوية التي تنأى عن
الصواب – في المعوِّقات التي تُواجهُكِ اليوم، وفي قدراتكِ التي
تتحلَّيْن بها الآن، ثُم قارنتِها بما ذكرتِه في بداية رسالتكِ مِن مُعوِّقات وتحدِّيات، وبإمكاناتِكِ الفكرية والشخصية والعمرية آنذاك – فستجدين
أنَّ معوِّقاتِ اليوم تُمثِّل اليسيرَ جدًّا مما تَغَلَّبتِ عليه سابقًا.
لكن ما حال بينكِ وبين استمرار تبنِّيكِ تلك السماتِ، هو بناؤُك آمالًا
واسعة على مرحلةِ ما بعد التخرُّج بنجاح وتفوُّق، واعتبارُكِ لها
بأنها ستكون البَرَّ النهائيَّ الذي تصلين إليه بعد عنائكِ السابق،
وفاتكِ أن هذه المرحلةَ هي مرحلة جديدة من البناء والتحدِّي
لمعوِّقاتٍ مِن نوعٍ آخرَ لا بُدَّ أن تُواجَهَ بنفس الإصرارِ، بل ربما بنوعيَّة واجتهادٍ مختلفينِ، وصبرٍ وتفاؤُل كبيرينِ.
وإنكِ بالتفاتِكِ إلى ذلك، والعودة إلى الرُّوح الأولى التي تبنَّيتِها منذ كنتِ في العاشرة من عمركِ، وباليقين والثِّقة العظيمة في نصر الله - تعالى - لكِ، وأنه لا يُضِيع عمل عامل أبدًا - ستكتشفين أبوابًا كثيرةً أمامكِ ظننتِ أنها مُغلقة، فوجودُكِ - يا عزيزتي - في قريةٍ لا تتوفر فيها إمكانياتٌ كثيرةٌ، لم يحُلْ دون توفُّر الإنترنت لديكِ (على سبيل المثال)، وتواصُلكِ وانفتاحكِ على العالم واكتشافكِ له أمرٌ يُمكنكِ استثمارُه في التواصُلِ مع الهيئات أو التجمُّعات المعنيَّة بتخصُّص الفيزياء، لتبادُل الأفكارِ ومُناقَشة القضايا والمشكلات
التي تُواجِه الخرِّيجين مِن هذا القسم، أو طلبته، أو أية أمور أخرى؛
مثل: (مُلتقى الفيزيائيين العرَب)، أو
(تجمُّع طالبات الفيزياء في جامعة الملك عبدالعزيز)، أو تجمُّعات أخرى موجودة فعلًا، أو تبادرين أنتِ بإنشاءِ موقعٍ لها إذا وجدتِ أنها تسدُّ حاجةً مُعيَّنةً.
كما يُمكنُكِ أن تُفَكِّري في عرض خدمتكِ في هذا العلم الذي يستصعبه كثيرون، بمساعدة طالباتِ الفيزياء، أو ربما الرياضيَّات في المراحل المتوسطة، وربما المراحل الأعلى إن وجدتِ لديكِ القابلية والتأهُّل لذلك عبر الإنترنت، بمقابلٍ معقولٍ يُشجِّع الطالباتِ على التواصُل معكِ، ويزيدُ في إقبالهن كلما أديتِ عملَك بإخلاصٍ وإتقانٍ.
ولكِ أن تجتهدِي في أساليب الترويج لمشْروعكِ هذا بطرُقٍ عديدةٍ،
فإذا ما بدأتِ فيه ووجدتِ له صدًى، يُمكنكِ أن تجعلي منه مدرسةً
إلكترونية فيما بعدُ، فيكون بمشيئةِ الله - تعالى - عندئذٍ ابتكارًا منكِ
يسدُّ حاجتَكِ، ويسدُّ حاجات أخريات، إن التزَمْنَ شرطَيِ الإتقان،
والأجر المعقول.
واعلمي - يا عزيزتي - أن هذا لا يمنع مِن أن تجتهدي في البحث عنِ الوظيفة دون أن تيْئَسي مِن ذلك، أو تفسِّري تعطُّلَ ذلك بتفسيراتٍ سلبيَّةٍ.
أمَّا عن اعتقادكِ بعدم الزواج لِما ذكرتِه مِن أسبابٍ، فكثيرٌ مِن قليلات
الجمال لم يحُل ذلك دون زواجِهن, وقد يكون في ذلك درسٌ وموعظة لكلِّ مَن تعتقد أن تلك الأمورَ قد تحُول دون رزق الله - تعالى - وعطائه الكريم.
وأخيرًا، أختم بالدعاء إلى الله - تعالى - أن يمنَّ عليكِ بالزوج الصالح،
ويفتحَ لكِ أبوابَ فضلِه، وينفع بكِ، وسنكون سعداءَ بسماع طيِّب أخباركِ.
منقول للفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق