كلنا نسأل الله العافية، نردد صباح مساء:
( اللهم عافني في بَدَني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري )
.. ونستحضر السلامة من الأسقام والعلل، وعندما نرى مبتلى
نقول:
( الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاه به )
ولكن هذا الذكر المأثور، والأمر النبوي
( سلوا الله العافية )
لا يقتصر على أمراض وأوجاع الجسم الظاهرة،
بل تشمل أوجاع القلب، وأمراض الروح.
أن يعافيك الله في سمعك، أن يحفظه عليك، وتظل هذه الحاسة سليمة فهي
بوابة العقل والفكر والقلب الأولى، نعمة غالية، ولكن تمام العافية أن
يعافيك الله في سمعك فلا تلتقط قبيح الألفاظ، ولا يصل إليه موجع الكلمات،
وزخرف القول الذي يشوش على العقل ويربك المشاعر ويضعف الإيمان.
أن يعافيك الله في بصرك، أن يبقي نافذتي النور، أن يسلمك من الحوادث
والعلل التي تؤذي عينيك، ولكن تمام العافية، أن يحفظ بصرك من التقاط
الصور المشينة، وما يعلق بالذاكرة من مشاهد قد تبقى عالقة مؤذية،
تفتح بابا للفتنة، تشعل شهوة، وتخرب عفة، وتشوه استقامة.. أن يعافيك
من رؤية ما يقض مضجعك من آلام، من حوادث، من مفجعات.
أن يعافيك الله في بدنك، أن يديم عليك الصحة والعافية، النعمة الكبرى،
"سليما في بدنه"، ولكن تمام العافية، ألايتورط هذا البدن في آثام تثقله،
ألا يستسلم لفتنة شهوة أو عدوان، ألا يعتدي ويظلم، أن يعافيه الله من أن
يأتي يوم القيامة ضد صاحبه، فتشهد الأيدي والأرجل بالخطايا
{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
يس:65
فكم من بلاء أصاب سليم الجسد صحيح الحواس، كم من وجع أسقم
الجسد مر عبر العين وهي سليمة، كم من شخص أصابته صدمة،
واكتئاب، وانهيار، وخوف مرضي بسبب صورة واحدة
، وكم يعافينا الله من رؤية ما إن رأيناه لم يستقم لنا عيش.
وكم من حزن فتك بإنسان مر عبر سمعه، وود لو أن أذنيه اعتلتا في
لحظة سماعه لكلمات عرف بها ما قلب حياته رأسا على عقب.
وكما نحمي أسماعنا وأبصارنا وأجسامنا من مسببات الأمراض،
والحوادث، فإن على كل إنسان أن يكون حريصا على كرامته وشرفه،
وأن يحفظ بوابات حواسه، وجسده من أمراض القلوب،
وحوادث العقول التي تطيش باستقراره وسلامته.
ليس ضعفا، بل منتهى القوة، أن تصم أذنيك عن شبهة، وأن تغلق عينيك
عن فتنة. أن تحفظ سلامك الداخلي، وراحة بالك، وتمنع فضولك
واندفاعك من أن يجلب لك البلاء.
اللهم إنا نسألك تمام العافية، ودوام العافية، والشكر على العافية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق