بطء طفلتي في حفظ القرآن
أ. عائشة الحكمي
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والله قلبي مجروح، وعيني تبكي وأنا أكتب هذه العبارات؛ أنا متزوجةٌ ولديَّ
ثلاث بنات - والحمد لله - الكبرى عمرها ٨ سنوات،
تحفظ - ما شاء الله - ما تيسَّر من القرآن.
الحمد لله أكملتْ جزء عمَّ وتبارك، لكن عندي مشكلة كبيرة،
وتعبتُ كثيرًا من ذلك، ساعدوني جزاكم الله خيرًا.
نحن نسكن في أمريكا، وهناك - بفضل الله - عندنا المساجد والمدارس الإسلامية،
وابنتي تدرس في المدرسة الإسلامية، وعندها يومانِ في الأسبوع لدراسة القرآن.
المشكلةُ أنها بطيئةٌ جدًّا في الحِفْظ، وتنسى بسرعةٍ كبيرةٍ، ولم تكنْ كذلك مِن قبْلُ،
بل كانتْ سريعةً في الحفظ - ما شاء الله - لكن تبدَّل الوَضْعُ،
فسبحان الله! مع أنَّ كل شيء مُتَوفِّر لديها؛
مدارس إسلامية راقية، وجو عائلي رائع جدًّا جدًّا،
والذي أجْبَرَني على كتابة هذه الرسالة هو بكاؤها.
ذات مرة كانتْ تبكي بحُرقة؛ لأنها لم تتمكنْ مِن استيعاب
سورة نوح، نَسِيتْ منها كثيرًا،
والمشكلة أنها تُراجع كثيرًا لكن بدون فائدة، تُكَرِّرها عدَّة مرات، لكنها تنسى!
لا أعرف ماذا أفعل معها؟
، لماذا هم يحفظون بسرعة، وأنا لا؟!
لقد قالتْ لي ذات مرة: أنا في رمضان صُمْتُ، ولما كانتْ ليلة القدر طلبتُ
طلبينِ مِن ربنا - سبحانه وتعالى:
الطلب الأول: أن أدخلَ الجنة - إن شاء الله.
والطلب الثاني: أن أحفظَ القرآن بسرعةٍ، وأنتِ قلتِ: إنَّ اللهَ يقْبَل دعاءنا!
أجدها - ما شاء الله - مِن النوع الذي يستغفر كثيرًا، وتحب الله
- عز وجل - حبًّا لم أرَ في حياتي مثله،
كل مرة تكتب لي رسائل، وتقول فيها: أمي أنا أحبكِ، لكن ليس أكثر من الله!
Mom I love you but not as much I love Allah swt
هذا، وقد رأيتُ ذات مرة في المنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكبًا ناقته،
وأنا أقود به مع بناتي؛ يعني: أنا ماسكة الحبل وأمشي به.
انصحوني، ماذا أفعل معها مِن أجْلِ الحفظ؟ وبارك الله فيكم.
الجواب
أيتها الأم العزيزة، شكَر اللهُ لكِ حسن تربيتكِ، وتقبَّل منكِ
بُنَيَّاتكِ في صالح أعمالكِ، وجعلَهن لكِ زينًا،
وأجرى لكِ عليهن خيرًا، والحمد لله الذي أجرى لكم وللمسلمين
في أمريكا أسباب العزة والكرامة،
فله الحمدُ والمنة، والثناء الحسَن الجميل، ونسأله المزيد مِن فضله، وبعدُ:
فلا بدَّ أولًا من البحث في أسباب هذا التغيير، قبل البحث
عن طرُق معينة لحفظ القرآن وإتقانه،
ومتى وضعتِ يدكِ على السبب الحقيقي أمكنكِ ساعتئذٍ أن
تُعالجي مشكلة ابنتكِ بيسرٍ بمشيئة الله تعالى،
ومن هذه الأسبابِ التي أضعها في الاحتمال، ما يلي:
أولًا: اشتغال عقل ابنتكِ بسابق وعدٍ لها بالمكافأة المُجْزِية؛ فإن كنتِ
تَعِدين ابنتكِ بمكافأتها بالحلواء إن هي أتمَّتْ حفظَ السورة؛
فستحفظ السورة، ولكن ذهنها سيظل مشغولًا بالحلواء خلال وقت الحِفْظ،
أو أن يُصادف وقت حفظها موعدَ برنامجها المفضَّل أو الخروج إلى النُّزَه،
فسيشتغل عقلُها ساعتئذٍ بتلك الأمور، ولن يكونَ حِفْظها
- مهما أسرفتْ في الحفظ - جيدًا ومُتقنًا؛
فالحفظُ الجيِّد يحتاج إلى صفاء الذهن، وخلو الخاطر مِن الشواغل،
من هنا ينبغي عليكِ التنبُّه إلى مسألة صفاء ذهن ابنتكِ أثناء جلسة الحفظ،
وأن يكون وقت حفْظِها بعيدًا عن وقت لعبِها، أو موعد برنامجها المفضل.
وأمَّا المكافآت، فينبغي أن تجازَى بها بعد إتقانها الحفظ بغير سابق وعدٍ؛
لأنَّ ابنتكِ باركها المولى - جل وعز - غيرُ محتاجة لأية وعودٍ تحفيزية،
لكونها في الأصل راغبة في الحفظ، ولم تجبرْ عليه.
ثانيًا: تغير البيئة المدرسية أو الشيخ المقرئ، فإن كانت ابنتكِ تدرس
الآن في غير المدرسة التي درستْ فيها مِن قبلُ،
أو كان الشيخ الذي يُعَلِّمها القرآن غير الشيخ الذي
تعلمتْ على يده في أول عهدِها بالحفظ،
وتكون طريقته في تعليم القرآن غير التي تعوَّدتْ عليها؛
فعندئذٍ ينبغي مناقشة الأمر مع مدرستها وشيخها،
وإذا كان في مقدورِكم استعادة البيئة الأولى - مدرستها،
أو شيخها الأول الذي تعودتْ على طريقته - فحسنٌ.
ثالثًا: قد يكونُ السبب في عدم تمكُّن ابنتكِ مِن الحفظ أن هذه هي قدرتُها الحقيقية،
وتكون مقارنتُها بصديقاتها اللائي يتمتَّعن بسرعة الحفظ وجودة الإتقان،
هي التي كشفتْ لكم عن هذه الحقيقة؛ من أن ابنتكِ دون صديقاتها في جودة الحفظ،
وهو أمرٌ طبيعي جدًّا؛ فالأطفالُ - بل الناس جميعًا - يختلفون في قدراتهم ومهاراتهم،
وعلى الأساتذة والآباء والأمهات مراعاة مبدأ الفروق الفردية بين التلاميذ والأبناء،
وعدم تحميل الطفل فوق طاقته وقدراته، فإذا تبيَّن لكِ أن ابنتكِ ممن يسرع إليهن النسيان،
ويبطؤ عليهن الحفظ بطبيعتهن؛ فلن يزيدها الإسراف في الحفظ إلا خيبةً وألمًا،
وتكونين بعدم مراعاتكِ لقدرات ابنتكِ الحقيقية سببًا في معاناتها النفسية!
أما القواعد المُعِينة على حِفْظ القرآن المجيد، فستجدينها بكثرة
في اليوتيوب لو كتبتِ "كيف تحفظ القرآن؟"،
وبإذن الله تعالى تحصدين العديد مِن النتائج والنصائح الذهبية،
وعسى الله أن ينفعكِ بها،
ويمنَّ على بُنَيَّتكِ الجميلة بحفظ كتابِه العزيز، وتدبر معانيه، والعمل بما فيه،
وأن يحفظها وأخواتها بحفظه، ويجعلهنَّ قرَّة عينٍ لكِ ولزوجكِ،
ويرزقكما برَّهن وبركتهن في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وهو العليم الخبير
منقول للفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق