الرضَا بقدرِ اللهِ مفتاحُ الخيرٍ (2)
وممَّا ينبغي أن يُعلمَ أنَّ التفضيلَ
ليسَ بينَ الرجالِ والنساءِ فحسبْ، بلْ إنَّ اللهَ تعالى فَضَّل بعضَ الرجال
ِ على بعضٍ، وفَضَّل بعضَ النساءِ على بعضٍ،
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}،
لا ينبغي قَصْرُه على تفضيلِ الرجلِ على المرأةِ، ولا المرأةِ على الرجلِ،
فالرجالُ يتفاضلونَ فيما بينَهم، والنساءُ يتفاضلْنَ فيما بينهُن،
هذا واقعٌ مُشاهَدٌ، وإن كان السياق في صدد:
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}
[النساء:32].
ولا ينفي ذلك وجود التفاضل بين الجنس الواحد من الرجال والنساء،
فأبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنه أفضلُ هذه الأمةِ بعدَ نبيِّها صلى الله عليه وسلم،
وعمرُ رضي الله عنه أفضلُ هذهِ الأمةِ بعدَ أبي بكرٍ، والنبيُّ صلى
الله عليه وسلم يقول:
(كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ) ،
أيْ هناكَ رجالٌ لمْ يَكملوا، واللهُ سبحانه وتعالى بيَّنَ أنه فضَّلَ بعضَ
النبيينَ على بعضٍ
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
[البقرة: 253]،
ولكنْ لا ينبغي أنْ نقولَ: فلانٌ مِنَ الأنبياءِ أفضلُ مِنْ فلانٍ، علَى وجهِ
الغضِّ مِنْ حقَّه، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
(لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ ابْنِ مَتَّى) ،
وفي الحديث الآخر، قال صلى الله عليه وسلم:
(لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ) ،
فكلُّهم أنبياءُ اللهِ تعالى وكلُّهم لهم مكانتُهم. فَفَرْقٌ بينَ التفضيلِ المقرِّرِ
لحقيقةٍ واقعةٍ، وبينَ التفضيلِ الخاصِّ الذي قدْ يُفْهَمُ منهُ الانتقاصُ.
وكما يتفاضلُ الرجالُ تتفاضلُ النساءُ، فلسنَ سواءً، قال عليه الصلاة والسلام:
(وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ،
وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) ،
وأمهاتُ المؤمنينَ، وَهُنَّ زوجاتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعضُهنَّ
أفضلُ مِنْ بعضٍ.
فما دَامَ هذا التفضيلُ مِنَ اللهِ؛ سواءٌ خِلقةً أوْ سببًا أوْ كَرمًا، وليسَ تقصيرًا
مِنَ الإنسانِ، فعليهِ أنْ يرضَى بما قدَّره اللهُ لَه، ولا يتمنَّى مَا قدَّرهُ لغيرِهِ
ولمْ يُقَدِّرْهُ لَهُ
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}.
ولأجل أن تستقيم حياتُنا فلابد من معرفة هذا التفاضل، ولابد من إجرائه
مجراه الصحيح بحيث يقوم كل بواجبه وما يناسبه، ولا يطلب ما لا يلائمه،
فإذا عَرَفَتِ الزوجةُ أنَّ اللهَ قدْ فضَّلَ الزوجَ في أشياءَ، وعَرفَ الزوجُ أنّ
َ اللهَ فضَّلَ الزوجةَ في أشياءَ، وَتَعَامَلَ كلٌّ منهما معَ صاحبِه في ضَوءِ
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}،
استقامتِ الحياةُ الزوجيةُ، وبدونِها لا تستقرُ ولا يَحْدُثُ الأنْسُ
ولا التكاملُ ولا الاستقرارُ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق