سلسلة أعمال القلوب (77)
النقطة التاسعة ثمرات اليقين:
والأمور التي يؤثرها في سلوك الإنسان، وفي قلبه،
وفي سائر تصرفاته وأعماله:
فلا حاجة للعبد أن يتسخط، ويتذمر على بيعةٍ باعها، فندم عليها، فيأكله الندم
طوال حياته، ولربما حدّث أبناءه وأحفاده بهذه الأرض التي باعها قبل
خمسين سنة ببيعةٍ زهيدة، هي لم تُكتب لك، فلا حاجة للتحسر، هي مكتوبة
لفلان فلا يمكن أن تصل إليك، هذا فضلاً عن الحرام، فالإنسان قد يخرج من
العمل في ساعات العمل، وقد يغيب ويسجل له مدير المدرسة، أو المديرة
تسجل لهذه المعلمة أنها حضرت هذه الأيام وتُعطى من الراتب، هذا المال
الذي وصل إليها سيصل، فإن صبرت؛ سيصلها عن طريق الحلال، فإن لم
تصبر؛ فإنها تأخذه عن طريق الحرام، وما لم يُكتب، فإنه لا يصل بحالٍ
من الأحوال، فعلى العبد أن يتقى ربه ويُجمل في الطلب.
* السابع: من ثمرات اليقين: أن البلاء يصير عند من استكمل اليقين نعمة،
والمحنة منحة:قال سفيان بن عيينة:'من لم يَعُدّ البلاء نعمة فليس
بفقيه'[مفتاح دار السعادة 1/154] .
* الثامن: مما يثمره اليقين: التوكل على الله عز وجل: ولهذا قرن الله بينه
وبين الهدى، فقال:
{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا...[12]}
[سورة إبراهيم] . وقال:
{ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ[79]}
[سورة النمل] .
والحق هنا هو اليقين- كما قال ابن القيم رحمه الله
[مدارج السالكين 2/398].
* التاسع من ثمراته: أنه يحمل صاحبه على مباشرة الأهوال، وركوب
الأخطار: وهو يأمر بالإقدام دائماً، فإن لم يقارنه العلم؛ فربما حمل على
المعاطب، والعلم من غير اليقين قد يحمل صاحبه على التأخر والنظر في
حسابات كثيرة من نواحٍ متعددة، فتفوت صاحبه الفرص.
[بصائر ذوي التمييز 5/400].
فإذا قارنه اليقين؛ فذاك الكمال، وقد قال الجنيد: 'قد مشى رجال باليقين على
الماء' . ولما أراد سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه أن يعبر دجلة إلى
المدائن، وقطع الفُرْسُ عليه الجسر، وحازوا السفن؛ نظر سعد في جيشه،
فلما اطمأن إلى حالهم، اقتحم الماء، فخاض الناس معه، وعبروا النهر فما
غرق منهم أحد، ولا ذهب لهم متاع، فعامت بهم الخيل وسعد يقول:
' حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصُرَّنَ الله وليَّه، وليُظْهِرَنَّ الله دينه،
وليهزمن الله عدوه؛ إن لم يكن في الجيش بَغْيٌ أو ذنوب تغلب
الحسنات'[تاريخ الطبري2/462].
ولما نزل خالد بن الوليد رضى الله عنه الحيرة، فقيل له: احذر السم لا تسقك
الأعاجم، فقال:' ائتوني به، فأُتي به، فالتهمه، واستفه، وقال: بسم الله، فما
ضره'. قال الذهبي رحمه الله:' هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة'
[سير أعلام النبلاء1/376].
فانظر إلى هذه الأمور: لو أن العبد أقدم عليها من غير حاجة، ومن غير بصر
ونظر في حاله، وتوكله على الله عز وجل، وصلاح أموره، وعلاقته مع ربه؛
فإن ذلك قد يورثه الهلكة، ولو أن عبداً قَلَّ يقينه، وإيمانه، وكثرت ذنوبه،
فأراد أن يُغِير على عدوه، فاقتحم الماء، ماذا تكون النتيجة المتوقعة؟ النتيجة
هي: الغرق والموت والهلاك، ولكن سعدًا رضي الله عنه زمَّ هذا اليقين
بالعلم، فأمر بالنظر في أحوال الجيش، فلما وجدهم على حال من التقى،
وخاف أن يفوت المسلمين ذلك المقصود الكبير- وهو تلك الغنائم الهائلة
العظيمة في المدائن وهي عاصمة فارس- ولم يجد شيئاً يركبه إليهم، فخشي
إذا تأخر أن يذهب عنه ذلك؛ أجمع، فركب الماء، وسلمه الله عز وجل.
وانظر إلى حال علاء الدين خوارزم شاه- وهو من قادة المسلمين الكبار-
كان عالماً بالفقه والأصول، محباً للعلماء، من أهل العبادة والزهد، وكان
يحب أهل الدين، يقول عنه الذهبي:' أباد ملوكًا، واستولى على عدة أقاليم،
وخضعت له الرقاب'. ووصفه ابن الأثير في 'الكامل' بقوله:' كان صبورا
على التعب وإدمان السير، غير متنعم ولا متلذذ'. وقال عنه: إنه كان يبقى
أربعة أيام على ظهر فرسٍ لا ينزل، إنما ينتقل من فرس إلى فرس- الفرس
يتعب! وهو لا ينزل أربعة أيام، فإذا تعب فرس انتقل منه مباشرة إلى ظهر
الفرس الآخر- وكان يطوى البلاد، ويهجم على المدينة بنفر يسير، ثم
يُصَبِّحهم من عسكره عشرة آلاف، هؤلاء العشرة آلاف هم الذين سبقوا
الجيش ممن يكونون من أهل النشاط والجَلَد والصبر.. يهجم على المدينة
في المساء، ثم يُصَبِّحهم من جيشه عشرة آلاف، ويمُسِّيه عشرون ألفا،
هؤلاء هم الذين سبقوا، ثم يأتي بقية الجيش بعد ذلك. يقول: وإنما أخذ البلاد
بالرعب، والهيبة، وكان عدد جيشه سبعمائة ألف. ما الذي جعله يفعل ذلك
جميعاً؟ ما الذي جعله يركب الأهوال والأخطار، ويلقى هؤلاء الكفار في وقت
قصير لا يتوقعونه، وليس معه من الجيش إلا اليسير؟!
النقطة التاسعة ثمرات اليقين:
والأمور التي يؤثرها في سلوك الإنسان، وفي قلبه،
وفي سائر تصرفاته وأعماله:
فلا حاجة للعبد أن يتسخط، ويتذمر على بيعةٍ باعها، فندم عليها، فيأكله الندم
طوال حياته، ولربما حدّث أبناءه وأحفاده بهذه الأرض التي باعها قبل
خمسين سنة ببيعةٍ زهيدة، هي لم تُكتب لك، فلا حاجة للتحسر، هي مكتوبة
لفلان فلا يمكن أن تصل إليك، هذا فضلاً عن الحرام، فالإنسان قد يخرج من
العمل في ساعات العمل، وقد يغيب ويسجل له مدير المدرسة، أو المديرة
تسجل لهذه المعلمة أنها حضرت هذه الأيام وتُعطى من الراتب، هذا المال
الذي وصل إليها سيصل، فإن صبرت؛ سيصلها عن طريق الحلال، فإن لم
تصبر؛ فإنها تأخذه عن طريق الحرام، وما لم يُكتب، فإنه لا يصل بحالٍ
من الأحوال، فعلى العبد أن يتقى ربه ويُجمل في الطلب.
* السابع: من ثمرات اليقين: أن البلاء يصير عند من استكمل اليقين نعمة،
والمحنة منحة:قال سفيان بن عيينة:'من لم يَعُدّ البلاء نعمة فليس
بفقيه'[مفتاح دار السعادة 1/154] .
* الثامن: مما يثمره اليقين: التوكل على الله عز وجل: ولهذا قرن الله بينه
وبين الهدى، فقال:
{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا...[12]}
[سورة إبراهيم] . وقال:
{ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ[79]}
[سورة النمل] .
والحق هنا هو اليقين- كما قال ابن القيم رحمه الله
[مدارج السالكين 2/398].
* التاسع من ثمراته: أنه يحمل صاحبه على مباشرة الأهوال، وركوب
الأخطار: وهو يأمر بالإقدام دائماً، فإن لم يقارنه العلم؛ فربما حمل على
المعاطب، والعلم من غير اليقين قد يحمل صاحبه على التأخر والنظر في
حسابات كثيرة من نواحٍ متعددة، فتفوت صاحبه الفرص.
[بصائر ذوي التمييز 5/400].
فإذا قارنه اليقين؛ فذاك الكمال، وقد قال الجنيد: 'قد مشى رجال باليقين على
الماء' . ولما أراد سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه أن يعبر دجلة إلى
المدائن، وقطع الفُرْسُ عليه الجسر، وحازوا السفن؛ نظر سعد في جيشه،
فلما اطمأن إلى حالهم، اقتحم الماء، فخاض الناس معه، وعبروا النهر فما
غرق منهم أحد، ولا ذهب لهم متاع، فعامت بهم الخيل وسعد يقول:
' حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصُرَّنَ الله وليَّه، وليُظْهِرَنَّ الله دينه،
وليهزمن الله عدوه؛ إن لم يكن في الجيش بَغْيٌ أو ذنوب تغلب
الحسنات'[تاريخ الطبري2/462].
ولما نزل خالد بن الوليد رضى الله عنه الحيرة، فقيل له: احذر السم لا تسقك
الأعاجم، فقال:' ائتوني به، فأُتي به، فالتهمه، واستفه، وقال: بسم الله، فما
ضره'. قال الذهبي رحمه الله:' هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة'
[سير أعلام النبلاء1/376].
فانظر إلى هذه الأمور: لو أن العبد أقدم عليها من غير حاجة، ومن غير بصر
ونظر في حاله، وتوكله على الله عز وجل، وصلاح أموره، وعلاقته مع ربه؛
فإن ذلك قد يورثه الهلكة، ولو أن عبداً قَلَّ يقينه، وإيمانه، وكثرت ذنوبه،
فأراد أن يُغِير على عدوه، فاقتحم الماء، ماذا تكون النتيجة المتوقعة؟ النتيجة
هي: الغرق والموت والهلاك، ولكن سعدًا رضي الله عنه زمَّ هذا اليقين
بالعلم، فأمر بالنظر في أحوال الجيش، فلما وجدهم على حال من التقى،
وخاف أن يفوت المسلمين ذلك المقصود الكبير- وهو تلك الغنائم الهائلة
العظيمة في المدائن وهي عاصمة فارس- ولم يجد شيئاً يركبه إليهم، فخشي
إذا تأخر أن يذهب عنه ذلك؛ أجمع، فركب الماء، وسلمه الله عز وجل.
وانظر إلى حال علاء الدين خوارزم شاه- وهو من قادة المسلمين الكبار-
كان عالماً بالفقه والأصول، محباً للعلماء، من أهل العبادة والزهد، وكان
يحب أهل الدين، يقول عنه الذهبي:' أباد ملوكًا، واستولى على عدة أقاليم،
وخضعت له الرقاب'. ووصفه ابن الأثير في 'الكامل' بقوله:' كان صبورا
على التعب وإدمان السير، غير متنعم ولا متلذذ'. وقال عنه: إنه كان يبقى
أربعة أيام على ظهر فرسٍ لا ينزل، إنما ينتقل من فرس إلى فرس- الفرس
يتعب! وهو لا ينزل أربعة أيام، فإذا تعب فرس انتقل منه مباشرة إلى ظهر
الفرس الآخر- وكان يطوى البلاد، ويهجم على المدينة بنفر يسير، ثم
يُصَبِّحهم من عسكره عشرة آلاف، هؤلاء العشرة آلاف هم الذين سبقوا
الجيش ممن يكونون من أهل النشاط والجَلَد والصبر.. يهجم على المدينة
في المساء، ثم يُصَبِّحهم من جيشه عشرة آلاف، ويمُسِّيه عشرون ألفا،
هؤلاء هم الذين سبقوا، ثم يأتي بقية الجيش بعد ذلك. يقول: وإنما أخذ البلاد
بالرعب، والهيبة، وكان عدد جيشه سبعمائة ألف. ما الذي جعله يفعل ذلك
جميعاً؟ ما الذي جعله يركب الأهوال والأخطار، ويلقى هؤلاء الكفار في وقت
قصير لا يتوقعونه، وليس معه من الجيش إلا اليسير؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق