نظر الزوجة في جوال زوجها
والدي متزوج مِن زوجةٍ ثانية، وللأسف والدتي تفتح هاتفَ والدي لتشاهدَ
رسائله ومكالماته دون أن يأذن لها، فما التوجيه الصحيح لِمِثْل فعلها هذا؟
حاولتُ أنْ أُنَبِّهها لحُرمة التجسُّس لكنها لم تستجب.
حتى إنها تُعاني وتنزعج بعدما تشاهد رسائل والدي مع زوجته الأخرى
فهل أُخبر والدي مثلًا ليَضَعَ كلمةَ مرور لهاتفه أو يحذف رسائله باستمرار؟
أخشى أن يعرفَ فتحدث مشكلات بينهما.
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه
ومَن والاه، وبعدُ:
أحسنتِ فالأمرُ لا يَحْسُن شرعًا ولا عقلًا، وإنَّ ما تفعلُه الوالدةُ حقيقةً إنما
هو ردةُ فِعل طبيعيَّة بسبب الغيرة التي تَصدُر مِن كثير من النساء حين يُعدِّد
الزوج؛ ظنًّا منهنَّ بأنهنَّ بفعل ذلك سيَحْصُلْنَ على شيءٍ ذي قيمة، وما علِمْنَ
بأنَّ ذلك سيفتح عليهنَّ بابًا مليئًا بالمشاكل، وقد يصعُب إغلاقه.
ولك أن تُقنعيها بأن بقاء هذه الأمور خافية خيرٌ لها مِن العلم بها،
فما الذي ستَسْتَفِيدُه إنْ هي اطَّلعت وقرأتْ سوى الحزن؟
أخبريها أنَّ هذا قد يُسبِّب لها قلقًا مستمرًّا، مع عدم وجود ثمرة مرجوَّة،
وذَكِّريها بقوله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }
[المائدة: 101]،
وهذا مجردُ افتراض وليس شرطًا، ولكن على الأقل فإنَّ عدم العلم
أحيانًا خيرٌ مِن العلم.
ذكِّريها بالتوكُّل على الله، وأنه سيكفيها عن كلِّ هَمٍّ، ناقِشيها وقولي لها:
ما الذي تريدين معرفته مِن هذا التصرُّف؟ فمثلًا لو كانتْ تشك بأنَّ والدك غير
عادلٍ، فأخبريها بأن المظلومَ منصور دائمًا، فلا تقلقْ، ولتوكل الأمر إلى الله.
أمَّا إنْ كانتْ ترغب في معرفة طبيعة العلاقة بين والدك وزوجته، فإنَّ الهاتف
غيرُ كاف لإظهار الحقيقة، فقد تقرأ شيئًا يَدُلُّ على حالة معينةٍ، بينما يكون
واقعُ الأمر شيئًا آخر مغايرًا تمامًا، فتبقى حزينةً ومهمومة لمجرد أوهام.
وحتى على فَرْض اكتشافها أمرًا تَكرهه، كأن تلمس مثلًا ميلَ والدك لزوجته
الأخرى، أو ما شابه ذلك، فإنَّ هذا أمره إلى الله، والقلوبُ ملكٌ لله يُقلِّبها كيف
يشاء، كما أنه فَضْلُ الله يُؤتيه مَن يشاء، والله أعلمُ وأحكمُ وأرحمُ بعباده،
والواجبُ حُسن الظنِّ بالله بأن كلَّ ما يُقدره على عباده إنما هو خير لهم، وإن
كَرِهَتْهُ النفوس، فكم مِن محنةٍ انقلبتْ منحةً! وكم تحوَّلَت البلايا إلى عطايا!
ولذلك قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
((عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمرَه كله خير، إنْ أصابَتْهُ سراءُ شكَر فكان خيرًا له،
وإنْ أصابَتْهُ ضراءُ صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن)).
المهمُّ في كلِّ ذلك توصيتها بعدم القلق مِن تدابير البشر، وليكنْ تعلُّقها بالله
مالك الملك، فإنْ كانتْ مظلومةً أو مقهورةً، فلتسأله النصر والإعانة، وإن
كانتْ مكسورةً فلتسأله الجبر وهكذا؛ فهو السميعُ المجيبُ، وهو المدبرُ،
وهو عالمُ السر وأخفى، فلتكل الأمورَ إليه.
وعليها أن تُدرِكَ أنَّ السعادة والراحة إنما تكون في الإقبال على الله، والتعلُّق
به، والإكثار مِن عبادته، والعكس مِن ذلك يحدث حين ينشغل العبدُ بالدنيا
عن الاخرة، ويتعلق بالعباد ظنًّا منه بأن سعادته مترتبة على مدى حصوله
على ذلك، فيَتَشَتَّت قلبه، ويضيق صدره، وتَنغَلِق عليه الأمور، وقد أخبرنا
بمِثْل هذا رسولُنا صلواتُ الله وسلامه عليه؛ حيث قال بأبي هو وأمي:
((مَنْ كانت الدنيا هَمَّه فَرَّق اللهُ عليه شَمله، وجعل فَقْرَهُ بين عينَيه،
ولم يؤتَ مِن الدنيا إلا ما قدر له))،
ويُقابل ذلك:
((مَن كانت الآخرةُ هَمَّه، جَمَع الله عليه شَمْلَه، وجعل غناه في قلبه،
وأتته الدنيا وهي راغمة))،
فأيُّ ضمان بعد ذلك؟ ولماذا نسلك أضيق الطرُق ونزهد في أوسعها؟!
يمكن أن تقولي لوالدتك باختصار: أقبلي على الله، وسيكفيك الله ما أَهَمَّك.
أما أنت فجزيتِ كل خير، وبُورك فيك، وأما اقتراحُك فلا تَتَعَجَّلي في ذلك حتى
لا تؤذي والدتك، وإنما استمري في النُّصح والتوجيه، والإقناع بالحسنى بكل
خضوعٍ حتى لا تشعرَ بتحيزك لوالدك، وثقي بأنَّ والدتك ستمل مِن ذلك،
وستدرك بأنها فتحتْ على نفسها باب شقاء.
أسأل الله أن يشرحَ صدرها، وأن يُعينها ويُوفِّقها لهداه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق