مغزى فرضية الحجاب
فرض الخالقُ سبحانه الحجاب على نساء المسلمين - واسمحوا لي بتجاوز
التحرير الفقهي لهذه المسألة، لأنني سأبحث في المغزى والحكمة منه.
على فرض أني استطعت إدراكها! وذلك لأن الأمة في زمننا هذا تعيش هجمة
شرسة من الداخل، وصرنا نسمع عن إعادة استقراء الفقه، وتحديث
الخطاب، ونزع القداسة عن النصوص، والتفلت من التأصيل والضوابط،
ومراجعة الثوابت القطعية الدلالة، والتشكيك بكون السنّة المصدر الثاني
للتشريع! والتحايل على القرآن الكريم بحجة " فهم خطاب الله ليس حكرا
على قرون الخير الاولى"!. يتزعمهم تيار المتنورين الجدد المشبوه
وطروحاتهم الإضلالية. وبودّي معالجة الحكمة والمغزى من الحجاب
في جانبه الاجتماعي.
أعود إلى مبدأ ظهور نبي عربي ، دعا إلى التوحيد الخالص، والاستجابة
بالسمع والطاعة له كبشري اصطفاه الله تعالى من بين رجالات أشهر قبائل
العرب يومها، ليبلّغ الدين الجديد ، ذا الشريعة الخاتمة المهيمنة
على الشرائع قبلها.
وهذا الإسلام الذي دعا إليه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو دين
ذو منظومة جديدة بمفاهيم جديدة مرنة صالحة لكل زمان ومكان، بشريعة
متكاملة واقعية تحاكي الفطرة وتهذب النوازع، وتربط الدنيا بحياة الآخرة
حيث ينال معتقدها سعادة الدارين.
والمتأمل الفطن يدرك من الوهلة الأولى أن هذه المنظومة برسالتها هذه،
ستقوم بتغيير الكثير مما هو سائد، وستنال من الكثير مما هو متعارف عليه
بالقبول رغم كونه مستهَجن بالفطرة والطبع السليم، وستهدم عادات وتضع
الأفضل بدلا منها؛ يعني أنها جاءت لتُميّز معتقديها عن محيطهم...ستمهرهم
بختمها السعيد( ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون). والتميّز عن الآخرين
هو مقصد أصلٌ في كل التكاليف الشرعية. في العبادات مثلا، فرض الله تعالى
كيفية معينة حددهاسبحانه ( قد تكون معقولة وقد تكون غير معقولة)، وحرّم
الله على عباده أن يعبدوه إلا بها. ورأيتُ التميّز حاضرا في الإسلام كيفما
التفتُ، فأدركتُ مقصدا من مقاصد فرض الحجاب ألا وهو تميّز نساء
المسلمين في لباسهن عن الغير أولا ، حيث تتشبع مَن تلبسه بروحية
الانتماء لجماعة المسلمين ، الأمر الذي يستجلب راحة نفسية لها، ويؤمّن
حاجتها للتراحم والتواصل ضمن مثيلاتها.ثانيا حتمية ممارسة ضوابط وآداب
الحجاب المتلازمةوهذا اللباس؛ فمن غير المعقول ، لبس الحجاب مع الإخلال
بنظامه وقوانينه. فالحجاب يجبر من تلبسه على الحرص على منظومته
الخلقية وضوابطه السلوكيةالحجاب والسلوك المترتب عليه متكاملان ،
والإخلال بأحد منهما يعني انتفاء الحاجة إليه أصلا ،وبالتالي يغدو الحجاب
قطعة قماش تغطي عضوا من الجسد فقط!).
إن منظومة الحجاب بشكله (تلبسه غالب النساء) وبروحيته الضامنة بتمييز
المسلمات عن غيرهن من النساء(مغيّبة عند فئة كبيرة من النساء)؛ شكل
الحجاب وروحيته تستدعي المنع عن الكثير من الأمور التي تخوضها نساء
غير المسلمين، وتستدعي تضحيات بعدد من الشكليات والممارسات الحياتية
-وليست بذي أهمية مصيرية لديمومة المجتمع الموفقّ، ويحث الشارع
الحكيم الفقهاء على الاجتهاد لإيجاد بديل شرعي لها-، وتستدعي حضورا
وشهودا لتكون أمارة على صحة هذه الفرضية لمن لديه نقص
في إيمانه وخلل في اتزانه الحضاري.
فأعود وأقول أن كفار قريش والعالم القديم أدركوا أن هذا النبي جاء بمنظومة
تخرج عن مألوفهم، بشعار أخافهم وسيظل يخيفهم ما أعقب ليل نهار، شعار
الخروج على النموذج السائد المعتاد، لذلك حاربوه بكل قوتهم وسيظلوا
يحاربون هذه المنظومة الفكرية الاجتماعية بكل أصولها ومتفرعاتها،
والحجاب هو جانب من هذه المنظومة الرائعة، خص الله تعالى بها النساء
دون الرجال -كلفهم الله بالجهاد إلى يوم القيامة- لأنهن يطقن التكاليف كما
الرجال{ وما خلقتُ الجنَ والإنسَ إلاّ ليعبدون} وعليهن هذا الجهاد الذي
يحاكي لطافة خلقتهن! كما يساوي بينهن وبين الرجال في الثواب والعقاب.
وانطلاقا مما ذكرتُ آنفا، يصبح الحجاب هوية المسلمة التي ينبغي ألا تُنقِص
من أطراف منظومته، فتمزقه بمسايرة السائد من الأزياء، وترقعه بانهزامها
أمام بَهَر تألق الكفر المزيف وبسطه عقيدته المادية الساقطة! والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق