الأصدقاء
الإنسان سُمي إنسانًا؛ لأنه يأنس بمن حوله، ويحب أن يعيش في جماعة،
ويكره بطبيعته العزلة والانزواء، فآدم عليه السلام عندما خلقه الله تعالى،
استوحش وحده؛ فخلق الله له من ضلعه حواء؛ ليأنس بها ويسكن إليها،
وهكذا الناس يعيشون في مجموعات؛ ليتعارف بعضهم على بعض،
وتتكون الشعوب وتقوم الحضارات؛ كما قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
[الحجرات: 13]،
وتأثير الصاحب كبير، وأثره بالغ؛ فهو يسحب صاحبه إلى طريقته التي يسير
عليها، فإن كان من أهل الصلاح، مال معه وتأثر به، وإن كان غير ذلك، أخذ
من صفاته، واتبع منهجه، وسار على خطاه، فكم من شخص كان من أهل
القرآن وطاعة الرحمن، حتى تعرَّف على صحبةِ سوءٍ، زينت له المعاصي
حتى ألفها، والمنكرات حتى ارتكبها، وأصبح بعيدًا عن الله،
قريبًا من الشيطان والعياذ بالله!
والصاحب السوء لا تجد منه إلا الكلمة الخبيثة والسلوك السيئ، لا يعرف
معروفًا، ولا ينكر منكرًا، لا تجد منه إلا تضييعًا للصلوات، وارتكابًا للفواحش
والمنكرات؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير...
ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحًا خبيثة))،
فلا خير في صحبته، ولا منفعة في اتباعه، بل لا يجني منه إلا الندم والحسرة
يوم القيامة؛ قال الله:
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا *
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } [الفرقان: 27، 28].
والصاحب هو المرآة التي يراك الآخرين من خلالها، فإذا كان الصديق
كالمرآة المتسخة أو الصَّدْآة المهترئة، فإنه سيعكس هذه الصورة عنك،
ويحكم الناس عليك بمن تصاحب؛ يقول عليه الصلاة والسلام
((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل))،
فالصديق إذا لم يكن عونًا لك على تغيير ما انحرف من سلوكك، وتقويم
اعوجاجك، ومراجعة طريقتك وتفكيرك - فلا خير فيه يُرتجى،
وفراقه خير من البقاء معه.
فهذه أخطر المحطات، وطرق النجاة منها: الاعتصام بالله، والتمسك بكتابه
وسنة رسوله؛ ففيهما النجاة في الدنيا من الفتن وفي الآخرة من النار،
وينبغي عدم التعرض لها أو استقبالها لمن كان يخشى على نفسه الفتن،
أو كان لا يستطيع النجاة منها؛ فالبعد عن مواطن الريب وأسباب الضياع،
فيه سلامة الدين الذي هو أغلى ما يملكه الإنسان في حياته، والذي بذهابه
ندمه وحسرته في الدنيا والآخرة.
الأحد، 20 ديسمبر 2020
الأصدقاء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق