أقسام
الورع
قال ابن تيمية:
[ فأما الورع المشروع المستحب،
الذي بعث الله به
محمدًا صلى الله عليه وسلم فهو:
اتقاء ما يخاف أن يكون سببًا للذمِّ
والعذاب عند عدم المعارض الراجح.
ويدخل في ذلك أداء الواجبات،
والمشتبهات التي تشبه الواجب،
وترك المحرمات والمشتبهات
التي تشبه الحرام، وإن أدخلت فيها
المكروهات قلت:
نخاف أن يكون سببًا للنقص والعذاب
]
1- الورع
الواجب:
وأما الورع الواجب: فهو اتقاء ما
يكون سببًا للذمِّ والعذاب،
وهو فعل الواجب وترك المحرم،
والفرق بينهما فيما اشتبه أمن الواجب
هو أم ليس منه؟ وما اشتبه تحريمه
أمن المحرم أم ليس منه؟
فأما ما لا ريب في حله فليس تركه
من الورع،
وما لا ريب في سقوطه فليس فعله من
الورع.
وقولي عند عدم المعارض الراجح
فإنه قد لا يترك الحرام البيِّن، أو المشتبه،
إلا عند ترك ما هو حسنة موقعها في
الشريعة أعظم من ترك تلك
السيئة،
مثل من يترك الإئتمام بالإمام
الفاسق؛ فيترك الجمعة والجماعة
والحجَّ والغزو، وكذلك قد لا يؤدي
الواجب البين،
أو المشتبه إلا بفعل سيئةٍ أعظم
إثمًا من تركه،
مثل من لا يمكنه أداء الواجبات من
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لذوي السلطان، إلا بقتال فيه من
الفساد أعظم من فساد ظلمه.
والأصل في الورع المشتبه،
قول النبي صلى الله عليه وسلم
:
( الحلال بَيِّنٌ، والحرام
بَيِّنٌ، وبين ذلك أمور
مشتبهات،
لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمن
ترك الشبهات؛ استبرأ عرضه
ودينه،
ومن وقع في الشبهات؛ وقع في
الحرام كالراعي يرعى حول الحمى؛
يوشك أن يواقعه
)
وقوله:
( البرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس،
وسكن إليه القلب )
وقوله في صحيح مسلم في رواية:
( البرُّ حسن الخلق، والإثم ما
حاك في نفسك، وإن أفتاك الناس )
2-
الورع الفاسد:
قال ابن
تيمية:
كثيرٌ من الناس تنفر نفسه عن
أشياء لعادةٍ ونحوها،
فيكون ذلك مما يقوِّي تحريمها
واشتباهها عنده،
ويكون بعضهم في أوهام وظنون
كاذبة،
فتكون تلك الظنون مبناها على
الورع الفاسد،
فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى
فيه:
{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ
الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ
}
وهذه حال أهل الوسوسة في
النجاسات؛ فإنهم من أهل الورع الفاسد المركب
من نوع دين، وضعف عقل، وعلم،
وكذلك ورع قوم يعدون
غالب أموال الناس محرمة أو مشتبهة
أو كلها،
وآلَ الأمر ببعضهم إلى إحلالها
لذي سلطان؛ لأنَّه مستحقٌّ لها
وإلى أنَّه لا يقطع بها يد السارق
ولا يحكم فيها بالأموال المغصوبة.
وقد أنكر حال هؤلاء الأئمة كأحمد
بن حنبل وغيره،
وذم المتنطعين في الورع.
وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد
الله بن مسعود قال:
( قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم هلك المتنطعون. قالها ثلاثًا
)
وورع أهل البدع كثيرٌ منه من هذا
الباب، بل ورع اليهود والنصارى
والكفار عن واجبات دين الإسلام من
هذا الباب،
وكذلك ما ذمه الله تعالى في
القرآن من ورعهم عمَّا
حرَّموه
ولم يحرِّمه الله تعالى،
كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
ومن هذا الباب الورع الذي ذمَّه
الرسول صلى الله عليه وسلم
في الحديث الذي في الصحيح، لما
ترخَّص في أشياء؛
فبلغه أن أقوامًا تنزهوا عنها
فقال:
( ما بال رجالٍ يتنزهون عن أشياء
أترخَّص فيها،
والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم
بالله وأخشاهم.
وفي رواية: أخشاهم وأعلمهم بحدوده
له )
وكذلك حديث صاحب القبلة.
ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علمٍ كثيرٍ
بالكتاب والسنة والفقه في الدين،
وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد
أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار
وأهل البدع وغيرهم.
الثالثة:
جهة المعارض الراجح. هذا أصعب من
الذي قبله؛ فإنَّ الشيء
قد يكون جهة فساده يقتضي
تركه فيلحظه المتورع؛
ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح
الراجح؛ وبالعكس فهذا هذا.
وقد تبين أنَّ من جعل الورع الترك
فقط؛ وأدخل في هذا الورع
أفعال قوم ذوي مقاصد صالحة بلا
بصيرة من دينهم،
وأعرض عما فوتوه بورعهم من
الحسنات الراجحة،
فإنَّ الذي فاته من دين
الإسلام أعظم مما أدركه،
فإنَّه قد يعيب أقوامًا هم إلى
النجاة والسعادة أقرب
3- الورع المندوب:
وهو الوقوف عن الشبهات
4- الورع الذي هو فضيلة:
وهو الكفُّ عن كثير من المباحات
والاقتصار على أقل الضرورات،
وذلك للنبيين، والصديقين،
والشهداء، والصالحين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق