يمهل ولا يهمل
لم تسمح لزوجها أن يرافق أمه حتى إلى دار العجزة والمسنين ، جردتها
مما معها، وأعطتها صرة ملابسها وفتحت لها الباب، وقبل أن تخرج
نظرت إلى ابنها الذي وقف دون حراك، ودعت الله أن يحرمه الأولاد، حتى
لا يصل إلى ما وصلت إليه، ولم تنس أن تسمع صوتها الجريح لزوجته
بأن ينزع الله الإيمان من قلبها قبل أن يميتها في الشارع، كما فعلت معها،
فلا أهل ولا معارف ولا أقارب فأين السبيل ؟
ومرت الأيام ونسي الزوجان الأم في غمار سعادتهما ومرت عشر سنوات
ولم تنجب الزوجة، وبعدها أصيب الزوج بمرض خبيث تحمل به فوق
طاقته، وكان يبحث عن أمه في أواخر أيامه فلم يجدها فذهب ليلقاها
عند ربه ويلقى جزاء عقوقه في الآخرة بعد أن لقيه في الدنيا .
وصحت الزوجة على الحقيقة، والموت يحدث رهبة وعبرة وخاصة إذا
كان المصاب في حبيب أو عزيز، ويجعل المرء يعيد حساباته وكأنه يسمع
بالموت لأول مرة، مع أنه أقرب إليه من حبل الوريد .
وترى الزوجة في منامها زوجها وهو يتعذب ويعاتبها، وترى حماتها
فتستيقظ مذعورة تكلم نفسها، وأصبحت تسمع صوت دعاء حماتها
أن ينزع الله الإيمان من قلبها، فكانت تخرج إلى أهلها فتسألهم إن كان
عملها سببًا في دخول النار وعدم المغفرة، وتذهب إلى أقاربها وتطلب
منهم الفتوى في مغفرة الله أو عذابه، وتطور الأمر فأصبحت تشعر بضيق
في صدرها إذا دخلت المنزل، فما أسرع أن تغادره لتدخل إلى بيت آخر
تحكي لأهله حكايتها مع حماتها، وصارت تطلب منهم أن يدعوا لها
بالمغفرة، وتمسك بيدهم فتضعها على صدرها ليقرؤوا لها سورة :
"أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ"
[الشرح: 1]،
حتى إذا ما انتهت دخلت بيتًا آخر، ثم صارت تحدث أهل البيت بما مر عليها في حياتها
من حسن وقبيح أمام الصغار والكبار، فأقفل الناس بيوتهم في وجهها
بعد أن اتعظ الكبار بحالتها .
وما زالت تتساءل : هل هي مؤمنة أم كافرة ؟ وتركت الصلاة والصوم،
فما الفائدة منها وهي كافرة !! إلا انها مؤمنة ! وتسارع إلى الأطفال
تعطيهم الحلوى والنقود ليقرؤوا لها ويطلبوا لها المغفرة، حاولت التخلص
من حياتها دون جدوى ، البيوت أقفلت في وجهها ، بيتها لم تعد تستطيع
الجلوس فيه ، تجلس أمام بيتها إلى ساعة متأخرة من الليل ، وإذا دخلت
لتنام كانت حماتها لها بالمرصاد في الأحلام فتنهض كالملسوعة .
أصبح الأطفال والشارع عماد حياتها، ونظرات الناس الممزوجة بالشفقة
والازدراء اعتادت عليها، وما زالت تتساءل ولا تجد جوابًا مقنعًا :
هل ذهب إيمانها ؟
وتجمع الناس صبيحة يوم على جثة امرأة سقطت ميتة على بعد أمتار من
بيتها : إنها هي، صاحبة الأطفال، ومقيمة الشارع .
نظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم : «كما تدين تدان»، وقال آخرون :
دعوة المظلوم، ودعا بعضهم : اللهم لا تحرمنا نعمة الإيمان، وآخرهم قال
: ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار (الزواج والطلاق، رجاء أبو صالح )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق