جزاء المرابي
عشت فقيرًا بين أب عامل وأم خادمة، آكل السؤر من الطعام، وألبس
الأسمال من الثياب ، لما بلغت سن الاحتلام طردني والداي،
فقد كنت عبئًا عليهما .
فتركتهما وسافرت إلى بلد آخر لا يعرفني فيه أحد، وغيرت اسمي فقط،
أما اسم أبي فكما هو، وعملت فراشًا في إحدى المدارس، فكنت أقف
بجانب شباك الصف واستمع لما يقوله المدرس للطلاب، وتعلمت القراءة
والكتابة، واشتركت في الامتحان الابتدائي ونجحت، وأكملت دراستي حتى
اجتزت المرحلة الثانوية بنجاح، ثم عدت إلى بلدي، وكان والداي قد ماتا،
ولم أعرف أحدًا، من إخوتي لأن اسمي تغير، وحصلت على وظيفة
وتعرفت من خلالها على مجموعة من الزملاء تعلمت منهم كل رذيلة
وشائنة، وصرت مسرفًا مبذرًا حتى اضطررت أن أستدين بالربا وبفائدة
فاحشة قد تصل سنويًا إلى ضعف المبلغ الذي أقبضه في أول العام .
ومن جراء ذلك بعتُ مسكني الذي ليس فيه أحد سواي وزوجتي الحبلى،
وقد دفعت أصول الدين والفوائد ولم يتبق معي إلا مبلغ قليل
لا يكفي مصروف شهرين .
وبعد تفكير عميق قررت أن أكون مرابيًا أقرض المحتاجين
بدلاً من أن أقترض من المرابين .
وبدأت بالمال القليل الذي معي أقرض المحتاجين مقابل رهون عينية
تضمن لي السداد، وخلال سنتين لا أكثر ملكت الكثير من المال، فاشتريت
دارًا كبيرة وتزوجت زوجة ثانية، وتوسعت تجارتي، فافتتحت محلاً
في السوق كصرافة ثم كمستورد ومصدر، ولكن العمل الأساسي
هو القرض بالربا .
وزادت ثروتي وتبدلت حالتي من فقير يقترض إلى غني يقرض، ورزقت بأبناء وبنات .
وذات يوم طلب مني أحد عملائي بضاعة أرسلتها له في إحدى ناقلاتي،
وصمم ابني البكر أن يركب مع البضاعة ليوصلها بنفسه إلى العميل،
ولكن الله لمن عصاه بالمرصاد، وكان الطريق على الساحل المجاور،
فانقلبت الشاحنة وهلك ابني وذهبت البضاعة ونجا السائق بأعجوبة لم
يصبه سوء، وماتت أم ابني جزعًا عندما بلغها موت ولدها .
وبعد أيام شب حريق هائل في مخزن لي ذهب منه أكثر من نصف
مالي وأحد أبنائي أيضًا .
وبعد هذا الحادث احترقت بنت لي شابة معقود زواجها بموقد زيت
انفجر ثم أصيبت بالشلل .
وتتوالى الحوادث ولا أدري كيف أدفعها، ولقد علمت الآن أن الذي يحدث
لي هي ضرائب يجب على كل مراب أن يدفعها، ودعوات أولئك المظلومين
الذين اغتصبت أموالهم («من غريب ما سألوني» نقلاً عن
«كما تدين تدان»).
إن الله عز وجل بالمرصاد لكل ظالم، وإن المرابي حارب الله
ورسوله، وإن نهاية المرابي أليمة مهما طال الزمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق