لماذا الراحة بالصلاة
؟
أي أقمها لنستريح بها من
مقاساة الشواغل
كما
يستريح التعبان إذا وصل إلى مأمنه و منزله و قرَّ فيه
،
و سكن
و فارق ما كان فيه من التعب و
النصب.
و
تامل كيف قال صلى الله عليه وسلم
:
(
أرحنا بالصّلاة )
و لم
يقل : أرحنا منها ، كما يقوله المتكلف الكاره
لها ،
الذي
لا يصليها إلا على إغماض و تكلف ،
فهو في
عذاب ما دام فيها ، فإذا خرج منها وجد راحة قلبه و نفسه
؛
و ذلك
أنَّ قلبه ممتلئ بغيره ، و الصلاة قاطعة له عن
أشغاله
و
محبوباته الدنيوية ، فهو معذَّب بها حتى يخرج منها
،
و ذلك
ظاهر في أحواله فيها ، من نقرها ،
و التفات قلبه إلى غير ربه
، و ترك الطمأنينة و الخشوع فيها ،
و لكن
قد عَلِمَ أنَّه لا بدّ له من أدائها ، فهو يؤديها على أنقص
الوجوه ،
قائل
بلسانه ما ليس في قلبه و يقول بلسان قلبه حتى
نصلي
فنستريح
من الصلاة ، لا بها. فهذا لونٌ و ذاك لونٌ آخر
.
ففرق بين
:
* مَن
كانت الصلاة لجوارحه قيداً ثقيلاً
،
و لقلبه سجناً ضيقا حرجاً
، و لنفسه عائقا ،
* و بين مَن كانت الصلاة
لقلبه نعيماً ،
و لعينه قرة و لجوارحه
راحة ، و لنفسه بستاناً و لذة.
فالأول
الصلاة
سجن لنفسه ،
و
تقييد لجوارحه عن التورط في مساقط الهلكات
،
و قد
ينال بها التكفير و الثواب ،
أو
ينال من الرحمة بحسب عبوديته لله تعالى فيها
،
و قد
يعاقب على ما نقص منها.
و القسم
الآخر
الصلاة بستان له ، يجد
فيها راحة قلبه ،
و قرّة
عينه ، و لذَّة نفسه ، و راحة جوارحه ، و رياض روحه
،
فهو
فيها في نعيم يتفكَّه ، و في نعيم يتقلَّب يوجب له القرب الخاص و
الدنو ،
و
المنزلة العالية من الله عزَّ و جل ، و يشارك الأولين في ثوابهم
،
بل
يختص بأعلاه ، و ينفرد دونهم بعلو المنزلة و القربة ،
التي هي قدر زائد على مجرد
الثواب .
أسرار الصَّلاة
للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق