عن يونس بن عبد الأعلى قال :
قال لي الشافعي ذات يوم : يا يونس ، إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه ،
فإياك أن تبادر بالعداوة ، وقطع الولاية ، فتكون ممن أزال يقينه بشك ؛
ولكن القه ، وقل له : بلغني عنك كذا و كذا ، وأجدر أن تسمي المبلغ ؛
فإن أنكر ذلك ، فقل له : أنت أصدق ،
وأبر ؛ ولا تزيدن على ذلك شيئا ؛ وإن اعترف بذلك ،
فرأيت له في ذلك وجها بعذر ، فاقبل منه ؛ وإن لم يرد ذلك ،
فقل له : ماذا أردت بما بلغني عنك ؟
فإن ذكر ما له وجه من العذر ، فاقبله ؛ وإن لم يذكر لذلك وجها لعذر ،
وضاق عليك المسلك ، فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها ؛
ثم أنت في ذلك بالخيار : إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة ،
وإن شئت عفوت عنه ؛ والعفو أبلغ للتقوى ، وأبلغ في الكرم ،
لقوله الله تعالى :
{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ } .
فإن نازعتك نفسك بالمكافأة ، فاذكر فيما سبق له لديك ،
ولا تبخس باقي إحسانه السالف بهذه السيئة ، فإن ذلك : الظلم بعينه ؛
وقد كان الرجل الصالح يقول : رحم الله من كافأني على إساءتي ،
من غير أن يزيد ، ولا يبخس حقا لي ؛
يا يونس : إذا كان لك صديق ، فشد يديك به ،
فإن اتخاذ الصديق صعب ، ومفارقته سهل ؛
وقد كان الرجل الصالح يشبه سهولة مفارقة الصديق :
بصبي يطرح في البئر حجرا عظيما ، فيسهل طرحه عليه ،
ويصعب إخراجه على الرجال البرك ؛ فهذه وصيتي لك ، والسلام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق