بندر السفير
ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال حرصا على حفظ الحقوق الأدبية
للفكرة التي سأقوم بطرحها، املا من المولى عز وجل أن تكون هذه
الفكرة احدى الأدوات التي قد تسهم في حل أزمة العمالة المنزلية
بالمملكة، والتي قد يعارضني فيها الكثير من سماسرة العمالة
المنزلية وسيعاديني الكثير من المستفيدين منهم.
استفزّني (حتى وإن لم يكن حقيقة) ما نشر على لسان الحكومة
الأندونيسية قبل بضعة أسابيع في احتمالية فتحهم الاستقدام لعمالتهم
المنزلية للمملكة براتب 3300 ريال شهريا للعاملة!!
وهو رقم لم تتحصّل عليه بعض بناتنا من ذوات المؤهلات العلمية
المتدنية في بعض الوظائف خاصة وأن العاملة الأندونيسية
إضافة لهذا الراتب سيتم توفير السكن والإعاشة لها ايضا كما هو
معروف، كما آلمني كثيرا تعنّت الجانب الفلبيني في إجراءات استقدام
عمالتهم المنزلية والتي وصلت مدتها إلى ٨ أشهر وفي بعض
الأحيان إلى عام كامل، فماذا بقي بعد؟ ولماذا نقبل كل تلك الإهانات
ولماذا يتم استغلالنا أبشع استغلال خاصة من بعض السماسرة
والمستفيدين داخليا ليقدمونا على طبق من ذهب للدول المصدرة
للعمالة لتجهز علينا.
من يعلّم ويدّرب العاملات سواء الفلبينيات أو الإندونيسيات أوغيرهن
على جميع الأعمال المنزلية؟ أليس بناتنا ونساءنا وأخواتنا وأمهاتنا،
ليس ذلك فحسب بل نعلّمهم حتى معايير النظافة الشخصية، ورغم
ذلك لم ولن يجيدوا تلك الأعمال كما نجيدها نحن ولكن نضطر
لاستقدامهن لأسباب منطقية من جانب ولأسباب غير منطقية من
جانب آخر حتى أعطيناهن قيمة لا يستحقونها، والغريب العجيب
أنه عندما يتم ابتعاثنا خارج المملكة لدول أوروبا مثلا أو أمريكا
ولفترات طويلة إما لدراسة أو لعمل لا نحتاج للعاملة المنزلية بالشكل
التقليدي الذي نطبّقه لدينا بل قد نحتاج لعاملات نظافة بشكل جزئي
مرة أسبوعيا ونقوم نحن وكافة أفراد أسرنا ببقية الأعمال المنزلية
بكل أريحية وكأن الأعمال المنزلية بالمملكة تختلف عنها في
خارج المملكة.
وصلتني العديد من الرسائل التي تؤكد أن هنالك مئات الأسر السعودية
إن لم تكن الآلاف، استطاعت وبكل شجاعة التخلّص من
(عقدة وبرستيج )
ضرورة وجود العاملة المنزلية وأستشهد على ذلك أيضا بعدة أسر
أعرفهم على المستوى الشخصي، يعيشون ومنذ سنين عدة دون
عاملة منزلية رغم قدرتهم المادية على ذلك ورغم أن بمقدورهم صياغة
المبررات والمسوغات التي تستدعي وجود العاملة المنزلية،
ولكنهم استطاعوا التغلب على ذلك بتعاونهم وبالتالي وفّروا مبالغ
مادية ضخمة وتحصلوا على خصوصية أكبر وأمان أكبر خاصة تجاه
الأطفال بعدم وجود العمالة المنزلية.
يبلغ عدد النساء بالمملكة ١٠ ملايين نسمة، أكثر من ٦ ملايين منهن
شابات ممن تقل أعمارهن عن ٣٥ عاما، ومن يعمل منهن لا يصل
عددهن مليون عاملة بينما الخمسة ملايين الاخريات من النساء
متواجدات في منازلهن وغالبيتهن هم من يقمن بالأعمال المنزلية أو
يقومن بمساعدة أمهاتهن بشكل أو بآخر، بعضهن ينتظرن وظيفة
بمواصفات خاصة كالوظائف التعليمية التي قد تأتي وقد لا تأتي بحكم
نظرية العرض والطلب والبعض الآخر لن تعمل،
إما لتدني مؤهلها العلمي
أو لرفض أهلها القطعي لعملها بحكم بعض الثقافات التي تحكمها بعض
العادات والتقاليد وهنالك فئة أخرى أيضا لن تعمل لظروف عائلية
مرتبطة برعاية الأطفال أو كبار السن أو ذوي الإعاقة إلخ.
الفكرة التي سأطرحها ليست إجبارية على جميع فئات المجتمع بل
هي اختيارية لمن يرغب في ذلك أو لمن يواجه صعوبات مادية أو
اجتماعية في استقدام العمالة المنزلية، وستبقى طريقة استقدام
العمالة المنزلية التقليدية متاحة لمن لديه الملاءة المالية والمساحة
الكافية من الوقت للانتظار لعدة أشهر. الفكرة تتمثّل في تقديم مكافأة
مادية شهريا لكل من لا تعمل للأسباب السابق ذكرها وتقوم أو تساعد
بالأعمال المنزلية شريطة أن تتنازل عن حقها أو حق عائلتها في
استقدام العاملة المنزلية والفكرة ذاتها تنطبق على ربّات البيوت أيضا،
هذه الفكرة متعددة الفوائد حيث إنها ستوفر دخلا شهريا لمن لا
تعمل وبالتالي ستساهم في الاكتفاء الذاتي لكثير من النساء وكذلك
ستوفّر على عوائلهن المبالغ الخرافية التي ستصرف على استقدام
العمالة المنزلية، وبما أن الطلب في هذه الحالة سيقل على العمالة
المنزلية، ستساعد هذه الفكرة أيضا وزارة العمل وستخفف الضغط
عليها في إيجاد مصادر وحلول للخروج من أزمة العمالة المنزلية
وبالتالي ستعود معادلة المفاوضات الدولية لوزارة العمل مع الدول
المصدّرة للعمالة المنزلية لوضعها الطبيعي كون المجتمع السعودي
أصبح بإمكانه وقف ذلك الاستغلال وأصبح قادرا على إيجاد حلول ذاتية
لمواجهة هذه الأزمة، علما بأن فكرة كهذه من الممكن تطبيقها وضبطها
بعدة طرق وآليات للوصول لأفضل النتائج التي تخدم الأسر التي
ترغب بالاستفادة من هذه الخدمة من جانب، ولوزارة العمل في
توفير الكثير من مواردها المادية والبشرية لحل أزمة العمالة المنزلية
من جانب آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق