إعاقة الابن من محنة إلى منحة
لا يوصل السخط الإنسان إلا إلى مزيد من الأحزان، ويفتح عليه أبوابا
لا حصر لها من الهموم والتعثر وتشتت الأمر وضياع النعم.. أما اللحظة
التي يُشرق فيها نور الرضا في قلبه، ويستسلم لحكم ربه، وينأى بأفكاره
عن المقارنات الخدّاعة بالناس، تُفتح له أبوابا من الأمل والعمل، وسعادة
وراحة بال يزول بها في وجدانه حر البلاء وجهده.
بعض الآباء والأمهات عندما يبتليهم الله بابن معاق تُظلم الدنيا
في وجوههم ويمتلئون سخطا، فيتعاملون مع الأمر بطرق تزيد الأمر
تعقيدا، بين إنكار يطول، وضيق وإستحياء من الناس وشعور بالدونية
وعصبية شديدة، أو تدليل مبالغ فيه، وكل هذه الأساليب تضيع عليهم
وعلى الابن فرص تنمية مهاراته، وإستغلال مواهبه، ليتجاوز
إعاقته ويسعد بحياته.
التقبــــل:
تقبل إبنك.. إنها نصيحة عامة لكل أب وأم، فكم من ولد سليم معافى
لا يتقبله أهله لخصلة مما يتفاوت فيها الناس، وكم من بنت ترفضها أمها
لا لشيء إلا لأنها لا تشبهها.. مما يحفر في نفوس الأبناء ضعفا للثقة،
وشكا في أنفسهم لا يفارقهم، وسخطا على من حولهم.
ويعرف العلماء المعاصرون الإعاقة بشكل أوسع من تعريفها السابق،
فدخل فيها الإعاقة الإجتماعية والنفسية، بل والإعاقة الحياتية التي تحول
بين الإنسان وبين العمل والإنجاز.
والتقبل لا يعني ألا نهذب ونطور ونربي.. وإنما أن نقبل الصفات
والأوضاع الجبلية، أن نتقبل شكل الأبناء، وصفاتهم الأساسية، وحالتهم
الصحية، وميولهم الطبيعية المختلفة، ثم نجتهد في أن يكون المكتسب
إيجابي، فنركز على مواطن قوتهم، ونعودهم ما يجبر نقصهم على الدوام.
من أخطر ما يتعرض له الطفل المعاق هو رفض الأبوين له، وهو يفطن
لهذا الأمر عندما يجد منهم عصبية وضيقا وإهمالا أو دلالا وإعفاءا من
المسؤولية مما يشعره بالنقص، ويذكره دوما بإعاقته فيظل أسيرا لها..
تقبل ابنك.. ولا تنظر له على أنه معاق، فأمام إعاقته عشرات النعم
ومواطن السلامة والعافية، وجوانب القوة والتميز.
الحنـــــان:
إذا كان الطفل بشكل عام يحتاج إلى الحنان من والديه، مما يمهد الطريق
إلى نفسية سويّة، فإن الطفل المعاق بحاجة إلى الحنان بشكل أكبر.
والحنان لا يعني التدليل الزائد، وإنما الإحتواء والإحتضان والتقبيل،
الإقتراب والإنصات والتواصل الهاديء الواعي والتفهم.
تنمية المهارات:
تقوية الثقة لا تأتي من الفراغ، ولا تكفي فيها كلمات المدح والثناء، أقصر
طريق لتربية طفل واثق من نفسه أن يشعر هو بإنجازه قبل أي أحد..
أن يدرك إمكاناته وقوة تأثيره.
لكل طفل مواهب عديدة، ولكن التربية الفاسدة هي التي تسلط الضوء
على النقص والعيوب، فتكل النفس عن إظهار جودتها.
التقط مهارات طفلك الطبيعية، ونمّها، وإفتح أمامها السبل، وشجعه بقوة..
وفي كل مرة يحرز فيها طفلك نجاحا، وينجز عملا، ويفرغ طاقة إيجابية،
سيشعر بتخطي إعاقته، وتهون أمامه.. وسيكتسب إحترام الناس إجباريا،
وسيكفون عن النظر إليه باعتباره معاقا، فنجاحه وموهبته ستسبق
إعاقته، بل لن يعود معاقا أصلا، فكثير من العلماء والقوانين تعرف
الإعاقة بأنها العجز عن العمل.
لن يستفيد ابنك بحزنك عليه، ولن يستفيد بحبك إذا لم يترجم إلى سعي
لتنمية مهاراته، وعدم وضع السدود أمام ما يمكنه فعله.. يحتاج ابنك أن
تؤمن بقدراته، ثم توفر له -قدر إستطاعتك- التعليم والتدريب والصحبة
والمساندة والبرامج، وفي هذا جهد جهيد في التفكير والبحث والسعي
والمواظبة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
الإرادة والتفاؤل:
الرسائل السلبية التي يتلفظ بها الأبوان قد تكون مجرد فضفضة بالنسبة
إليهما، ولكنها تنحت الإحباط في وجدان صغارهم، وتعلمهم أن ينظروا
للعالم على أنه مكان مقفر طارد لا فرصة فيه للنجاح.. هذه النظرة بحد
ذاتها إعاقة كبرى أشد من كل الإعاقات، فكيف إذا إجتمعت
مع إعاقة أخرى؟!
أصعب الظروف خرج منها أشخاص غيروا حياتهم وحياة الآخرين،
نجحوا وسعدوا وتفوقوا.. وكثيرا ما يفشل الإنسان رغم توفر وسائل
النجاح له، فالعبرة في المقام الأول بقوة الإرادة وسلامة العزم وإستمرار
السعي بعد توفيق الله تعالى.
إضرب له أمثلة النجاح، وقصص أشخاص تجاوزوا الظروف والصعاب.
وأخيرا وليس آخرا.. ربي ابنك على إيمان يهدي قلبه، ويريح نفسه
من العناء، ويمنحه أملا لا يخبو مهما اشتدت المحن، إيمانا يعينه على
الحياة، واثقا في عطاء ربه وعوضه.. إيمانا يوقن به أن الله لا ينظر إلى
صور البشر وإنما إلى قلوبهم وأعمالهم، وأنه إذا أحب عبده كان
( عَيْنَهُ الَّتِي يُبْصِرُ بِهَا، وَأُذُنَهُ الَّتِي يَسْمَعُ بِهَا، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا،
وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَقَلْبَهُ الَّذِي يَعْقِلُ بِهِ )
وهو ما يرقى به إلى الكمال وليس فقط إلى تجاوز إعاقة.
الكاتب: مي عباس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق