عرفان بالجميل، أم محبَّة في الله، أم مرض؟
أ. عائشة الحكمي
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم،
مشكلتي هي أني أحببتُ أختًا لي كثيرًا، وكان السبب في ذلك أنها ذبَّت
عن عِرضي في وقتٍ لم تكن تربطني أيُّ علاقة بها، وكان هذا الموقف
- وما زال - يُشعرني بأنها أدَّتْ إليَّ معروفًا، وكأنها أوثقتْني به؛
ذلك أنني كنتُ في سابق أيامي مرَّتْ بي مواقف من الأقارب والأصحاب
والزملاء لا أجد شخصًا في حياتي كلِّها أحسَنَ الظنَّ بي - قد يُظنُّ
أنها مبالغة، لكنها للأسف الحقيقة - وكنتُ قد مررتُ بتجارِب صداقةٍ
أكتشف بعدها حسدَهم لي في أشياء هم يملِكونها، لا، بل يملكون
ما هو أفضل منها؛ بل وبعضهم يؤذيني ويكرِّه الناسَ في شخصي،
وبعضهم يظهر الشَّماتة بي، وبعضهم وبعضهم...
حسنًا، كنتُ دائمًا ألقي اللَّوم على نفسي بأني لا أُحسن اختيار المعارف
أو الأصدقاء، علمًا أن كل من عرفتُهم كان أول شيء يجمعني بهم الاستقامة،
وأرفض تمامًا أن أكون قريبةً من أناس عندهم هشاشة في التدين، أو ما أشبه ذلك.
عمومًا مشكلتي مع هذه الأخت هي أني دائمًا أذكُر لها صنيعَها،
واشتريت لها هدايا، وأدعو لها بالخير، وأتمنى لها ذلك من كلِّ قلبي،
وبعدها أخذتُ أتقرَّب إليها كثيرًا، ولا أرفض لها طلبًا إلا ما كان
لا يُرضي اللهَ، ومرات كنت أشعر أني أفرض نفسي عليها،
و هي ترد عليَّ أو تكلمني حياء، أو ما إلى ذلك، أراها جافية،
غير قريبة مني، حتى الأشياء التي تحزنني منها أكررها ثلاث مرات أو أكثر؛
حتى تجتنبها، وهي دائمًا تقول لي: اعذريني أنا هكذا باردة،
أنا لا أتكلم كثيرًا، إلى غير ذلك من أعذارها، ومرات تكون صريحة
معي لدرجة تجرحني، كقولها: أنا أقدِّم أشياء أخرى على لقائنا،
مشغولة، أريد أن أنام، ويتكرَّر هذا كثيرًا منها، وعلى رغم جرحي
والله أُعظِم هذا وأقول: أخت صريحة وصادقة خيرٌ من كاذبة مراوغة،
فكنت أحاول الابتعاد عنها؛ بل وابتعدت عنها،
فأنا لا أفرض - ولن أفرض - على أحدٍ مودَّتي.
ثم حدثتْ لها مشكلة، فكنتُ أسأل اللهَ لها الفرجَ والعون،
وألاَّ تُصاب بسوء، وأسأل عنها دائمًا، فتغيَّرتْ صفاتُها بعد ذلك،
وأخذتْ تهتم بي، وتقول لي كلامًا طيِّبًا؛ غيرَ أني لم أسعد بهذا إطلاقًا،
وأخذت أشعر أني انتزعت منها هذا انتزاعًا، وما زلت أحاول أن
أبتعد عنها؛ لأن شعوري هذا يلازمني دائمًا، وهي تتساءل مرة
أو مرتين: ماذا حدث؟ ما بك على غير العادة؟ ثم لا تزيد على ذلك؛
بل حتى هي تغيب عني لأيام طويلة، لكني مراتٍ أشتاق إليها،
وأرجو أن ألقاها، لكني أحمل نفسي على عدم ذلك،
وأؤنِّب نفسي على محبَّتها وعلى هذا الشعور، وأقول لها: لماذا أنت ضعيفة؟
لماذا تبحثين عمن لا يبحث عنك؟ إلى غير ذلك.
ثم بعد هذا كله أصبحتُ لا أستطيع أن أميز نمط شعوري تجاهها:
هل هو مجرد عرفان لجميلها، أو هو محبة في الله لأخلاقها،
أو هو مرض أُصبتُ به ولا أدري شيئًا عنه؟ لكني أكره بشدة أن أقول،
أو حتى أن أشعر باحتياجي لأي شخص، أو حتى احتياجي لحبه،
أكره هذا الأمر، ومرات أقول: إنه تكبُّر، ومرات أقول: بل هو قوة، ومرات ومرات.
أنتظر أن تردوا علي، وأسأل الله لي ولكم السداد والتوفيق.
الجواب
أختنا العزيزة، حياكِ الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لِمَ كلُّ هذا الخلط في المشاعر؟! المسألة لا تحتاج منكِ كلَّ هذا التعقيد،
ولا كل هذا الهمِّ، إن كنتِ تحبينها وهي تحبكِ، وحبُّكما في الله ولله،
فتمسَّكي بها، ولا تَدَعي الشيطان يحُول بين قلبكِ وقلبها،
هذه ليستْ نصيحتي؛ بل نصيحة الفاروق عمر - رضي الله عنه وأرضاه -
فيما روي: ما أعطي عبدٌ بعد الإسلام خيرًا من أخ صالح،
فإذا رأى أحدكم ودًّا من أخيه، فليتمسَّكْ به .
استفتِ قلبَكِ يا أختنا: أتسمِّين ما بينكِ وبين صديقتكِ حبًّا في الله؟
إن أجابكِ قلبُكِ بنعم، فاعلمي أنْ لا كرامة ولا كبرياء، ولا خوف ولا قلق،
ولا أي شعور سلبي آخر في هذه العلاقة؛ لأنها علاقة صحيحة وسليمة،
وصحية أيضًا، ولكن تحمَّلي نتيجةَ اختياركِ لها، فهذه الصديقة ستبقى
رفيقتَكِ في الدنيا والآخرة؛ فعن عبدالله بن مسعود،
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
( المرء مع من أحبَّ )؛
متفق عليه.
تذكَّري أن المشاعر الجميلة في علاقة (الحب في الله)، تتوقف
عند كلمة (الله) ولا تتجاوزها، وما عدا ذلك من أنواع الحب الأخرى،
فتحتمل الإفراط فيه والتجاوز إلى حد المرض، وربما الشرك - والعياذ بالله!
يا كم نضيع الحب والأحبة في دنيا ترتفع فيها نِسَبُ الألم على نسب الفرح،
وتزيد فيها احتمالات الفراق على احتمالات اللقاء!
( وأحببْ من أحببتَ، فإنك مُفارِقُه )؛
رواه الحاكم في مستدركه.
أجل، يجب أن تضعي في اعتبارك دومًا أنكِ مفارقةٌ كلَّ أحبَّتِك،
وهم مفارقوك، فهذا هو الأصل، فالموتُ والفراق
هو أصل الدنيا، والخلدُ والبقاء هو أصل الآخرة.
كم مرةً سنعيش في حياتنا الدنيا؛ كي نضيع هذه الحياةَ على قِصَرِها،
في هذا النوع من التفكير اللاعقلاني تجاه مَن نحب؟!
وكم مرةً ستخفق قلوبنا بالحب؟! بل كم مرة سنجد من يستحق هذا الحبَّ؟!
التوجيه الإسلامي في الحب في الله، أن نُخبر من نحبُّ أننا نحبُّه
بلا خوف ولا قلق، وبلا سوء ظن؛ فقد روى أحمد في مسنده أن
أبا سالم الجيشاني أتى إلى أبي أمية في منزله، فقال: إني سمعتُ
أبا ذر يقول: إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( إذا أحبَّ أحدُكم صاحبَه، فليأتِه في منزله، فليخبرْه أنه يحبه لله )،
وقد أحببتُك فجئتُك في منزلك (سنده ضعيف، وأصل الحديث صحيح).
من المهم أيضًا أن ترفعي عن كاهلك ثقلَ التكلُّف مع صديقتك،
وأن تكون العلاقة بينكما بمنتهى الشفافية والوضوح،
والتقبل والاحترام، يقول محمد الصادق - رضي الله عنهما -:
أثقل إخواني عليَّ من يتكلَّف لي وأتحفظ منه،
وأخفُّهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي .
تحمَّلي صديقتك، فبينكما من الفروق الشخصية والاجتماعية،
والفكرية والبيئية والنفسية، ما يكفي، ولكن الله قادرٌ على التأليف بينكما بالحب فيه
؛ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
[الأنفال: 63].
ومن شيمة الحب أنه يقصر المسافات، ويجمع الشتات، ويلملم المزق،
ويفتح الغلق، فتحمِّلي صديقتك واختلافها؛ فـ الذي يحب أخاه أكثرَ،
يتحمَّل منه أكثر، وحين نجد أنفسنا عاجزين عن التحمُّل،
فلننظر إلى ذلك على أنه نقص في الحبِّ والمودة ؛ كما يقول الدكتور عبدالكريم بكار.
تقولين: أكره بشدة أن أقول، أو حتى أن أشعر باحتياجي لأي شخص،
أو حتى احتياجي لحبه، أكره هذا الأمر، ومرات... ،
ولكن الحب الناضج أن يقول المحبُّ لمن يحب: إني أحتاج إليك؛
لأني أحبك، أما الحب غير الناضج فيقول: إني أحبك؛
لأني أحتاج إليك"؛ كما يقول د. أحمد جاد.
وإذًا؛ أنتِ تحتاجينها؛ لأنكِ تحبينها، لا العكس.
بقي أن أقول لكِ: إن دورة الحب مثلما تبدأ بإعجاب أو امتنان،
فإنها كثيرًا ما تبدأ بخلاف وعراك، البدايات ليست مهمة في الحب؛
بل العبرة بالنهايات، ربما لم تشعر صديقتُكِ بقوة الحب؛
لكونها معتادة على تقديم الخير، ولكن حين وجدتْ منكِ ما وجدتِه
منها من حب للخير، ودعاء في الغيب، فقد انفتح الطريقُ أمامها
لترى قلبكِ بوضوح أكثر، فلا تفقدي ما كنتِ تسعين إليه
بمجرد أن امتلكتِه؛ إذ ما هكذا تُشكَر النِّعم.
قال الفيلسوف الهندي بيدبا: إن إصابة الحاجة أهون من الاحتفاظ بها،
ومن ظفر بأمر لم يحسن الاحتفاظ به، أضاع ما أصاب،
كالغيلم الذي طلب قلب القرد، فلما استمكن منه أضاعه ،
كان بودِّي أن أكتب لكِ هذه القصة، لكني بحق مرهقة جدًّا،
فاقرئيها بنفسكِ في كليلة ودمنة باب (القرد والغيلم).
دمتِ بألف خير، ولا تنسيني من صالح دعائك.
منقول للفائدة
أ. عائشة الحكمي
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم،
مشكلتي هي أني أحببتُ أختًا لي كثيرًا، وكان السبب في ذلك أنها ذبَّت
عن عِرضي في وقتٍ لم تكن تربطني أيُّ علاقة بها، وكان هذا الموقف
- وما زال - يُشعرني بأنها أدَّتْ إليَّ معروفًا، وكأنها أوثقتْني به؛
ذلك أنني كنتُ في سابق أيامي مرَّتْ بي مواقف من الأقارب والأصحاب
والزملاء لا أجد شخصًا في حياتي كلِّها أحسَنَ الظنَّ بي - قد يُظنُّ
أنها مبالغة، لكنها للأسف الحقيقة - وكنتُ قد مررتُ بتجارِب صداقةٍ
أكتشف بعدها حسدَهم لي في أشياء هم يملِكونها، لا، بل يملكون
ما هو أفضل منها؛ بل وبعضهم يؤذيني ويكرِّه الناسَ في شخصي،
وبعضهم يظهر الشَّماتة بي، وبعضهم وبعضهم...
حسنًا، كنتُ دائمًا ألقي اللَّوم على نفسي بأني لا أُحسن اختيار المعارف
أو الأصدقاء، علمًا أن كل من عرفتُهم كان أول شيء يجمعني بهم الاستقامة،
وأرفض تمامًا أن أكون قريبةً من أناس عندهم هشاشة في التدين، أو ما أشبه ذلك.
عمومًا مشكلتي مع هذه الأخت هي أني دائمًا أذكُر لها صنيعَها،
واشتريت لها هدايا، وأدعو لها بالخير، وأتمنى لها ذلك من كلِّ قلبي،
وبعدها أخذتُ أتقرَّب إليها كثيرًا، ولا أرفض لها طلبًا إلا ما كان
لا يُرضي اللهَ، ومرات كنت أشعر أني أفرض نفسي عليها،
و هي ترد عليَّ أو تكلمني حياء، أو ما إلى ذلك، أراها جافية،
غير قريبة مني، حتى الأشياء التي تحزنني منها أكررها ثلاث مرات أو أكثر؛
حتى تجتنبها، وهي دائمًا تقول لي: اعذريني أنا هكذا باردة،
أنا لا أتكلم كثيرًا، إلى غير ذلك من أعذارها، ومرات تكون صريحة
معي لدرجة تجرحني، كقولها: أنا أقدِّم أشياء أخرى على لقائنا،
مشغولة، أريد أن أنام، ويتكرَّر هذا كثيرًا منها، وعلى رغم جرحي
والله أُعظِم هذا وأقول: أخت صريحة وصادقة خيرٌ من كاذبة مراوغة،
فكنت أحاول الابتعاد عنها؛ بل وابتعدت عنها،
فأنا لا أفرض - ولن أفرض - على أحدٍ مودَّتي.
ثم حدثتْ لها مشكلة، فكنتُ أسأل اللهَ لها الفرجَ والعون،
وألاَّ تُصاب بسوء، وأسأل عنها دائمًا، فتغيَّرتْ صفاتُها بعد ذلك،
وأخذتْ تهتم بي، وتقول لي كلامًا طيِّبًا؛ غيرَ أني لم أسعد بهذا إطلاقًا،
وأخذت أشعر أني انتزعت منها هذا انتزاعًا، وما زلت أحاول أن
أبتعد عنها؛ لأن شعوري هذا يلازمني دائمًا، وهي تتساءل مرة
أو مرتين: ماذا حدث؟ ما بك على غير العادة؟ ثم لا تزيد على ذلك؛
بل حتى هي تغيب عني لأيام طويلة، لكني مراتٍ أشتاق إليها،
وأرجو أن ألقاها، لكني أحمل نفسي على عدم ذلك،
وأؤنِّب نفسي على محبَّتها وعلى هذا الشعور، وأقول لها: لماذا أنت ضعيفة؟
لماذا تبحثين عمن لا يبحث عنك؟ إلى غير ذلك.
ثم بعد هذا كله أصبحتُ لا أستطيع أن أميز نمط شعوري تجاهها:
هل هو مجرد عرفان لجميلها، أو هو محبة في الله لأخلاقها،
أو هو مرض أُصبتُ به ولا أدري شيئًا عنه؟ لكني أكره بشدة أن أقول،
أو حتى أن أشعر باحتياجي لأي شخص، أو حتى احتياجي لحبه،
أكره هذا الأمر، ومرات أقول: إنه تكبُّر، ومرات أقول: بل هو قوة، ومرات ومرات.
أنتظر أن تردوا علي، وأسأل الله لي ولكم السداد والتوفيق.
الجواب
أختنا العزيزة، حياكِ الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لِمَ كلُّ هذا الخلط في المشاعر؟! المسألة لا تحتاج منكِ كلَّ هذا التعقيد،
ولا كل هذا الهمِّ، إن كنتِ تحبينها وهي تحبكِ، وحبُّكما في الله ولله،
فتمسَّكي بها، ولا تَدَعي الشيطان يحُول بين قلبكِ وقلبها،
هذه ليستْ نصيحتي؛ بل نصيحة الفاروق عمر - رضي الله عنه وأرضاه -
فيما روي: ما أعطي عبدٌ بعد الإسلام خيرًا من أخ صالح،
فإذا رأى أحدكم ودًّا من أخيه، فليتمسَّكْ به .
استفتِ قلبَكِ يا أختنا: أتسمِّين ما بينكِ وبين صديقتكِ حبًّا في الله؟
إن أجابكِ قلبُكِ بنعم، فاعلمي أنْ لا كرامة ولا كبرياء، ولا خوف ولا قلق،
ولا أي شعور سلبي آخر في هذه العلاقة؛ لأنها علاقة صحيحة وسليمة،
وصحية أيضًا، ولكن تحمَّلي نتيجةَ اختياركِ لها، فهذه الصديقة ستبقى
رفيقتَكِ في الدنيا والآخرة؛ فعن عبدالله بن مسعود،
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
( المرء مع من أحبَّ )؛
متفق عليه.
تذكَّري أن المشاعر الجميلة في علاقة (الحب في الله)، تتوقف
عند كلمة (الله) ولا تتجاوزها، وما عدا ذلك من أنواع الحب الأخرى،
فتحتمل الإفراط فيه والتجاوز إلى حد المرض، وربما الشرك - والعياذ بالله!
يا كم نضيع الحب والأحبة في دنيا ترتفع فيها نِسَبُ الألم على نسب الفرح،
وتزيد فيها احتمالات الفراق على احتمالات اللقاء!
( وأحببْ من أحببتَ، فإنك مُفارِقُه )؛
رواه الحاكم في مستدركه.
أجل، يجب أن تضعي في اعتبارك دومًا أنكِ مفارقةٌ كلَّ أحبَّتِك،
وهم مفارقوك، فهذا هو الأصل، فالموتُ والفراق
هو أصل الدنيا، والخلدُ والبقاء هو أصل الآخرة.
كم مرةً سنعيش في حياتنا الدنيا؛ كي نضيع هذه الحياةَ على قِصَرِها،
في هذا النوع من التفكير اللاعقلاني تجاه مَن نحب؟!
وكم مرةً ستخفق قلوبنا بالحب؟! بل كم مرة سنجد من يستحق هذا الحبَّ؟!
التوجيه الإسلامي في الحب في الله، أن نُخبر من نحبُّ أننا نحبُّه
بلا خوف ولا قلق، وبلا سوء ظن؛ فقد روى أحمد في مسنده أن
أبا سالم الجيشاني أتى إلى أبي أمية في منزله، فقال: إني سمعتُ
أبا ذر يقول: إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( إذا أحبَّ أحدُكم صاحبَه، فليأتِه في منزله، فليخبرْه أنه يحبه لله )،
وقد أحببتُك فجئتُك في منزلك (سنده ضعيف، وأصل الحديث صحيح).
من المهم أيضًا أن ترفعي عن كاهلك ثقلَ التكلُّف مع صديقتك،
وأن تكون العلاقة بينكما بمنتهى الشفافية والوضوح،
والتقبل والاحترام، يقول محمد الصادق - رضي الله عنهما -:
أثقل إخواني عليَّ من يتكلَّف لي وأتحفظ منه،
وأخفُّهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي .
تحمَّلي صديقتك، فبينكما من الفروق الشخصية والاجتماعية،
والفكرية والبيئية والنفسية، ما يكفي، ولكن الله قادرٌ على التأليف بينكما بالحب فيه
؛ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
[الأنفال: 63].
ومن شيمة الحب أنه يقصر المسافات، ويجمع الشتات، ويلملم المزق،
ويفتح الغلق، فتحمِّلي صديقتك واختلافها؛ فـ الذي يحب أخاه أكثرَ،
يتحمَّل منه أكثر، وحين نجد أنفسنا عاجزين عن التحمُّل،
فلننظر إلى ذلك على أنه نقص في الحبِّ والمودة ؛ كما يقول الدكتور عبدالكريم بكار.
تقولين: أكره بشدة أن أقول، أو حتى أن أشعر باحتياجي لأي شخص،
أو حتى احتياجي لحبه، أكره هذا الأمر، ومرات... ،
ولكن الحب الناضج أن يقول المحبُّ لمن يحب: إني أحتاج إليك؛
لأني أحبك، أما الحب غير الناضج فيقول: إني أحبك؛
لأني أحتاج إليك"؛ كما يقول د. أحمد جاد.
وإذًا؛ أنتِ تحتاجينها؛ لأنكِ تحبينها، لا العكس.
بقي أن أقول لكِ: إن دورة الحب مثلما تبدأ بإعجاب أو امتنان،
فإنها كثيرًا ما تبدأ بخلاف وعراك، البدايات ليست مهمة في الحب؛
بل العبرة بالنهايات، ربما لم تشعر صديقتُكِ بقوة الحب؛
لكونها معتادة على تقديم الخير، ولكن حين وجدتْ منكِ ما وجدتِه
منها من حب للخير، ودعاء في الغيب، فقد انفتح الطريقُ أمامها
لترى قلبكِ بوضوح أكثر، فلا تفقدي ما كنتِ تسعين إليه
بمجرد أن امتلكتِه؛ إذ ما هكذا تُشكَر النِّعم.
قال الفيلسوف الهندي بيدبا: إن إصابة الحاجة أهون من الاحتفاظ بها،
ومن ظفر بأمر لم يحسن الاحتفاظ به، أضاع ما أصاب،
كالغيلم الذي طلب قلب القرد، فلما استمكن منه أضاعه ،
كان بودِّي أن أكتب لكِ هذه القصة، لكني بحق مرهقة جدًّا،
فاقرئيها بنفسكِ في كليلة ودمنة باب (القرد والغيلم).
دمتِ بألف خير، ولا تنسيني من صالح دعائك.
منقول للفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق