سلسلة أعمال القلوب (59)
مراتب اليقين
[انظر: كتاب الزهد والورع والعبادة، ص77، التبيان في أقسام القرآن،
ص119 – 120، مفتاح دار السعادة 1/149]: كما أن العلم يتفاوت-
واليقين هو من جملة مراتب العلم- فكذلك اليقين يتفاوت، فهو على ثلاث
مراتب بعضها فوق بعض، فأدنى مراتب اليقين هي مرتبة:'علم اليقين'،
والمرتبة التي فوقها هي مرتبة:'عين اليقين'، وأعلى المراتب هي مرتبة:
'حق اليقين'، والله عز وجل يقول:
{ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ[5]} [سورة التكاثر] .
فذكر العلم: علم اليقين.
{ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ[6]ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ[7] }
[سورة التكاثر] .
فذكر في هذه الآيات مرتبتين من مراتبه:
فعلم اليقين: هو التصديق الكامل الجازم، الذي لا تردد فيه، بحيث لا يعرض
له شك، ولا شبهة، ولا ريب بحالٍ من الأحوال، فينكشف بذلك المعلوم للقلب،
فيصير بمنزلة المُشَاهِد له، فلا يشك فيه كما يشك الرائي بعينه في مرئيه
ومُشَاهَدِه، فيكون علم اليقين بالنسبة للقلب كالمرئي بالعين بالنسبة للبصر،
وذلك كعلمنا بالجنة: بوجودها ونعيمها كما أخبرنا الله عز وجل، فنعلم أنها
دار المتقين، وأنها مقر المؤمنين، فهذه مرتبة علم اليقين، إذا كان ذلك
راسخاً في قلب الإنسان وتيقنه.
ثم إذا كان اليوم الآخر، ورأينا الجنة بأعيننا، فإن هذه المرتبة هي مرتبة
عين اليقين. والفرق بين هذه المرتبة والتي قبلها هو كالفرق بين العلم
وبين المشاهدة، وقد جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ]
رواه أحمد .
فموسى عليه السلام أخبره الله عز وجل -وهو أصدق من يقول- أن قومه قد
عبدوا العجل فما ألقى الألواح، فلما قدم ورأى قومه يعبدون العجل بعينه؛
ألقى الألواح، وغضب، وأخذ برأس أخيه يجره إليه،
ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ] رواه أحمد.
وهذه المرتبة: مرتبة عين اليقين هي التي سألها إبراهيم عليه السلام قال:
{...رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى...[260] }
[سورة البقرة] .
فإبراهيم عليه السلام كان كامل الإيمان، راسخ اليقين، لا تردد عنده،
ولا اشتباه ولا ريب، ولكنه أراد أن ينتقل من مرتبة من مراتب الكمال إلى
مرتبة أعلى منها، أراد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين،
فيرى ذلك بأم عينه، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المسافة التي بين
علم اليقين، وبين عين اليقين سماها:'شكاً' لعله من باب التجوز،
فقال صلى الله عليه وسلم
: [نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ...]
رواه البخاري ومسلم.
وأما المرتبة الثالثة فهي: مرتبة حق اليقين: وهي مباشرة الشيء بالإحساس
فعلاً، أن تكون في بحبوحة الشيء، أن تكون ملابساً له، وذلك أن أهل الجنة
إذا كانوا في وسط الجنة، فهم في هذا الحال قد بلغوا مرتبة حق اليقين،
وهكذا حينما يخبرك مُخبر أن لديه عسلاٌ وتثق بخبره، فإنك تكون في هذه
الحال متيقناً لهذا الخبر، فإذا أحضره أمامك فإن ذلك يكون عين اليقين، فهذه
أعلى اجتمع فيها العلم والمشاهدة، فإذا ذقته فهذا هو حق اليقين، والمثال
الأول الذي ذكرته في الجنة حيث أخبرنا الصادق المصدوق عنها، فهي
في قلوبنا نتيقنها ونعلمها ونُقرّ بذلك، فهذا هو علم اليقين، فإذا شاهدنا
الجنة قبل دخولها، فهذه مرتبة عين اليقين، فإذا دخلنا فيها فإن ذلك يكون
حق اليقين .
وهكذا إذا أخبرك مُخبر أن بهذا الوادي ماء، فهذا إن كان المُخبر ثقة؛ فإنه
يحصل لك بمقتضى هذا الخبر علم اليقين، فإذا شاهدت الماء كان ذلك عين
اليقين، فإذا بلغت الماء، واغترفت منه، وشربت، أو اغتسلت؛ فإن ذلك يكون
حق اليقين- وهذه الأمثلة يذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما
يذكرها تلميذه ابن القيم- وإذا كان اليقين يتفاوت في نفسه، فإن هذا
أيضاً يقتضى أن أهله يتفاوتون فيه.
مراتب اليقين
[انظر: كتاب الزهد والورع والعبادة، ص77، التبيان في أقسام القرآن،
ص119 – 120، مفتاح دار السعادة 1/149]: كما أن العلم يتفاوت-
واليقين هو من جملة مراتب العلم- فكذلك اليقين يتفاوت، فهو على ثلاث
مراتب بعضها فوق بعض، فأدنى مراتب اليقين هي مرتبة:'علم اليقين'،
والمرتبة التي فوقها هي مرتبة:'عين اليقين'، وأعلى المراتب هي مرتبة:
'حق اليقين'، والله عز وجل يقول:
{ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ[5]} [سورة التكاثر] .
فذكر العلم: علم اليقين.
{ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ[6]ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ[7] }
[سورة التكاثر] .
فذكر في هذه الآيات مرتبتين من مراتبه:
فعلم اليقين: هو التصديق الكامل الجازم، الذي لا تردد فيه، بحيث لا يعرض
له شك، ولا شبهة، ولا ريب بحالٍ من الأحوال، فينكشف بذلك المعلوم للقلب،
فيصير بمنزلة المُشَاهِد له، فلا يشك فيه كما يشك الرائي بعينه في مرئيه
ومُشَاهَدِه، فيكون علم اليقين بالنسبة للقلب كالمرئي بالعين بالنسبة للبصر،
وذلك كعلمنا بالجنة: بوجودها ونعيمها كما أخبرنا الله عز وجل، فنعلم أنها
دار المتقين، وأنها مقر المؤمنين، فهذه مرتبة علم اليقين، إذا كان ذلك
راسخاً في قلب الإنسان وتيقنه.
ثم إذا كان اليوم الآخر، ورأينا الجنة بأعيننا، فإن هذه المرتبة هي مرتبة
عين اليقين. والفرق بين هذه المرتبة والتي قبلها هو كالفرق بين العلم
وبين المشاهدة، وقد جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ]
رواه أحمد .
فموسى عليه السلام أخبره الله عز وجل -وهو أصدق من يقول- أن قومه قد
عبدوا العجل فما ألقى الألواح، فلما قدم ورأى قومه يعبدون العجل بعينه؛
ألقى الألواح، وغضب، وأخذ برأس أخيه يجره إليه،
ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ] رواه أحمد.
وهذه المرتبة: مرتبة عين اليقين هي التي سألها إبراهيم عليه السلام قال:
{...رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى...[260] }
[سورة البقرة] .
فإبراهيم عليه السلام كان كامل الإيمان، راسخ اليقين، لا تردد عنده،
ولا اشتباه ولا ريب، ولكنه أراد أن ينتقل من مرتبة من مراتب الكمال إلى
مرتبة أعلى منها، أراد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين،
فيرى ذلك بأم عينه، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المسافة التي بين
علم اليقين، وبين عين اليقين سماها:'شكاً' لعله من باب التجوز،
فقال صلى الله عليه وسلم
: [نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ...]
رواه البخاري ومسلم.
وأما المرتبة الثالثة فهي: مرتبة حق اليقين: وهي مباشرة الشيء بالإحساس
فعلاً، أن تكون في بحبوحة الشيء، أن تكون ملابساً له، وذلك أن أهل الجنة
إذا كانوا في وسط الجنة، فهم في هذا الحال قد بلغوا مرتبة حق اليقين،
وهكذا حينما يخبرك مُخبر أن لديه عسلاٌ وتثق بخبره، فإنك تكون في هذه
الحال متيقناً لهذا الخبر، فإذا أحضره أمامك فإن ذلك يكون عين اليقين، فهذه
أعلى اجتمع فيها العلم والمشاهدة، فإذا ذقته فهذا هو حق اليقين، والمثال
الأول الذي ذكرته في الجنة حيث أخبرنا الصادق المصدوق عنها، فهي
في قلوبنا نتيقنها ونعلمها ونُقرّ بذلك، فهذا هو علم اليقين، فإذا شاهدنا
الجنة قبل دخولها، فهذه مرتبة عين اليقين، فإذا دخلنا فيها فإن ذلك يكون
حق اليقين .
وهكذا إذا أخبرك مُخبر أن بهذا الوادي ماء، فهذا إن كان المُخبر ثقة؛ فإنه
يحصل لك بمقتضى هذا الخبر علم اليقين، فإذا شاهدت الماء كان ذلك عين
اليقين، فإذا بلغت الماء، واغترفت منه، وشربت، أو اغتسلت؛ فإن ذلك يكون
حق اليقين- وهذه الأمثلة يذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما
يذكرها تلميذه ابن القيم- وإذا كان اليقين يتفاوت في نفسه، فإن هذا
أيضاً يقتضى أن أهله يتفاوتون فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق