الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

روائع الإعجاز النفسي (13)

 

روائع الإعجاز النفسي (13)


قوة الشخصية
يؤكد علماء البرمجة اللغوية العصبية أن أهم شيء في قوة الشخصية هو
عدم الخوف، أو ما يعبّر عنه بالثقة بالنفس. ولكن كيف يمكن الحصول على
شخصية لا تخاف؟ يعتبر العلماء أن أفضل طريقة للقضاء على الخوف أن
تواجه ما تخاف منه. فلا يمكن لإنسان أن يكون قوياً ما لم يعالج ظاهرة
الخوف عنده. والمشكلة أن المواجهة تتطلب شيئاً من القوة،
إذن العملية عكسية.

كذلك يؤكد العلماء على ضرورة أن يظهر الإنسان بمظهر الإنسان الواثق
من نفسه فلا يُظهر أية أحزان أو هموم أو ضعف. لأن الظهور بمظهر
الإنسان الحزين يعطي انطباعاً بالضعف لدى الآخرين. إذن هنالك تأكيد
من قبل العلماء على ضرورة عدم الخوف وعدم الحزن لتكسب
الشخصية القوية.

هذا ما يقوله العلماء، ولكنني كمؤمن أعود دائماً إلى كتاب الله تعالى. فكثيرة
هي الآيات التي تتحدث عن الخوف ونجد تأكيداً من الله تعالى على أن
المؤمن لا يخاف أبداً إلا من خالقه عز وجل. يقول تعالى:

{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *
الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ
لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
[يونس: 62-64].

والسؤال: لماذا تحدث الله عن الخوف بصيغة الاسم (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)، بينما
تحدث عن الحزن بصيغة الفعل (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)؟ لنتأمل هذه الأشياء:

- الخوف هو رد فعل لا شعوري وبالتالي ليس في تحكم الإنسان، فجميع
الكائنات الحية تخاف فلذلك جاء بصيغة المصدر (خوف). بينما الحزن هو
تصرف شعوري وإرادي، ويمكن لإنسان أن يحزن وآخر ألا يحزن عند نفس
الظروف ولذلك جاء بصيغة الفعل (يحزنون).

- الآثار والنتائج التي يسببها الخوف أكبر من تلك التي يسببها الحزن،
ولذلك قدَّم الله ذكر الخوف على ذكر الحزن في الآية الكريمة.

- الخوف يأتي من مصدر خارجي، لذلك جاءت كلمة (عليهم) لتعبر عن
المحيط الخارجي الذي يحيط بالإنسان. بينما الحزن يأتي من مصدر داخل
الإنسان ولذلك سبق هذا الفعل بكلمة (هم).

- لا خوف ...... عليهم : الخوف أولاً ثم (عليهم). للدلالة على سرعة
الشعور بالخوف، وهو أجزاء من الثانية. أي أن الخوف هو عمل فجائي
مباغت، وهذا ما يقوله العلم.

- ولا هم....... يحزنون : (هم) ثم الحزن. للدلالة على أن الإنسان هو الذي
يقوم بالحزن وهذا يستغرق زمناً قد يمتد لساعات، أي أن الحزن
لا يكون فجائياً.

- الخوف يكون من المستقبل بينما الحزن يكون على شيء مضى أو يعيشه
في نفس اللحظة، والمستقبل مجهول بينما الماضي معلوم والإنسان يهتم
بمعرفة المستقبل أكثر من الماضي لذلك جاء ذكر الخوف أولاً ليطمئن
المؤمن على مستقبله، ثم جاء ذكر الحزن ليطمئن المؤمن على ماضيه
وحاضره وبالتالي شمل جميع الأزمنة!

ولذلك أينما ذكر الخوف والحزن في القرآن نجد الخوف يتقدم على الحزن
لهذه الأسباب. حتى إن (الخوف) في القرآن قد تكرر أكثر من (الحزن)،
فسبحان الذي أحصى كل شيء عدداً.

من كتاب روائع الإعجاز النفسي
بقلم المهندس/ عبد الدائم الكحيل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق