قصص القوة و الشجاعة (9)
شجاعة نادرة .. و قصة أعجب من الخيال :
و انظر- بربك - ما فعل هذا المغوار الذي يعدل جيشًا بأسره قبل معركة القادسية , بعث سعد طلحة بن خويلد وعمرو بن معدي كرب الزبيدي في
غير قوة من خيل، كالطليعة في دورية استكشافية، فكان طليحة وحده مكلفًا بعسكر رستم، وكان عمرو في خمسة من أصحابه مكلفًا بعسكر جالينوس، وأمرهم أن يصيبوا له رجلاً منهم ليستخبره، فلما تجاوز طليحة وعمرو قنطرة القادسية لم يسيروا إلا فرسخًا وبعض فرسخٍ - حوالي سبعة كيلو مترات - حتى رأوا خيلاً عظيمةً، وقوات المجوس تتحرك بسلاحها قد
ملئوا الطفوف , قال بعضهم : ارجعوا إلى أميركم فإنه سرحكم، وهو
يرى أن القوم بالنجف، فأخبروه بالخبر، وقال بعضهم : ارجعوا، لا ينذر
بكم عدوكم , فقال عمرو : صدقتم، وقال طليحة : كذبتم، ما بُعثتم لتخبروا عن السرح، وما بعثتم إلا للخبر، قالوا: فما تريد ؟ قال : أريد أن أخاطر
القوم أو أهلك فقالوا : أنت رجل في نفسك غدر، ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن؛ فارجع بنا. فأبى، ثم فارقهم يريد معسكر رستم في مغامرة خطيرة (تاريخ الطبري) .
( و منذ فارق طليحة عمرًا و هو يعمل للدخول إلى قلب معسكر رستم
بمفرده ، مع العلم أن معسكر رستم يضم ثمانين ألف مقاتل ، و مثلهم
من الخدم و الحرس الخاص ، و لكنها شجاعة و جرأة بطل الأبطال
طليحة فقد مضى يعارض المياه المنبثقة من الأنهار حتى دخل عسكر
رستم، دخله في ليلة مقمرة ، و بات ليلة يتخبر ، و كان يحب الخيل
كعاشق للفروسية فرأى فرسًا لم ير مثلها في خيل رستم ، و رأى
فسطاطًا أبيض لم ير مثله، فامتشق حسامه (سيفه) فقطع به مقود
ذلك الفرس ثم ربطه إلى مقود فرسه ، ثم مشى بفرسه وخرج يعدو
به، وأحس الفرس بما حدث فتنادوا ، و ركبوا الصعبة والذلول ،
و تعجل بعضهم فلم يسرج فرسه ، و خرجوا يجدون في أثره .
ولحقه فارس منهم مع الصباح ، فلما أدركه صوب إليه رمحه
ليطعنه عدل طليحة فرسه ومال به عن تصويب الفارسي، فانصب
الفارسي بين يديه وصار أمامه، فكر عليه طليحة وطعنه برمحه
فقصم ظهره ، و انطلق يعدو بفرسه، فلحق به أعجمي آخر ففعل به
مثل ما فعل بالأول وانطلق يعدو، فلحق به ثالث وقد رأى مصرع صاحبيه، وهما ابن عمه فازداد حنقًا، فلما لحق بطليحة وبوأ له الرمح ليطعنه
عدل طليحة فرسه فانصب المجوسي أمامه ، وكر عليه طليحة وقد
شرع رمحه ودعاه إلى الأسر ، و أدرك المجوسي أنه مقتول فاستسلم ،
و كانا قد اقتربا من معسكر المسلمين، فأمره طليحة أن يركض بين يديه، وهو يسوقه من خلفه برمحه ، و هو على فرسه فامتثل للأمر. وأقبل جمع آخر من العجم يجدون في آثارهما فرأوا فارسيهم وقد قتلا، و شاهدوا
الثالث يركض مستسلمًا أمام طليحة، وقد أوشكا على دخول معسكر المسلمين فأحجموا ونكصوا، ثم عادوا من حيث أتوا . وجاء طليحة
على فرسه يسحب وراءه الفرس التي غنم ، وأسيره يعدو بين يديه،
ودخل عسكر المسلمين ففزعوا منه ، ثم أجازوه حين عرفوه، فدخل
على سعد. قال له سعد : ويحك، ما وراءك؟ قال طليحة: دخلت عسكرهم وجستها منذ الليلة، وقد أخذت أفضلهم توسمًا، وما أدري : أصبت
أم أخطأت، وها هو ذا فاستخبره ) .
لم أر ولم أسمع بمثل هذا :
واستدعى - سعد بن أبي وقاص - المترجم ليقوم بالترجمة بين الاثنين،
فقال الأسير الفارسي : أتؤمنني على دمي إن صدقتك؟
قال سعد : نعم، الصدق في الحرب أحب إلينا من الكذب , قال الأسير الفارسي : أخبركم
عن صاحبكم هذا -يعني طليحة- قبل أن أخبركم عمن قبلي , باشرت
الحروب وغشيتها وسمعت بالأبطال ولقيتها ومنذ أنا غلام إلى أن
بلغت ما ترى ، ولم أر ولم أسمع بمثل هذا أن رجلاً قطع عسكرين
لا يجترئ عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفًا، يخدم الرجل
منهم الخمسة و العشرة ، إلى ما هو دون ، فلم يرض أن يخرج
كما دخل حتى سلب فارس الجند ، و هتك أطناب بيته ، فأنذره
فأنذرنا به ، فطلبناه فأدركه الأول و هو فارس الناس ، يعدل ألف
فارس فقتله ، فأدركه الثاني و هو نظيره فقتله ، ثم أدركته و أظن
أنني خلفت بعدي من يعدلني ، وأنا الثائر بالقتيلين وهما أبناء عمي ،
فرأيت الموت فاستأسرت ، ثم أخبر سعدًا عن أهل فارس بأن الجند
عشرون ومائة ألف ٍ، وأن الأتباع مثلهم خدام لهم ؛ و رغب
الأعجمي في الإسلام فأسلم بمحض إرادته ، فسماه سعد مسلمًا ،
فكان يوم القادسية وغيرها من أهل البلاء ، فقد استفاد منه المسلمون لخبرته بأرض فارس ؛
و لأنه فارسي يعدل بألف (القادسية لبشاميل) .
شجاعة نادرة .. و قصة أعجب من الخيال :
و انظر- بربك - ما فعل هذا المغوار الذي يعدل جيشًا بأسره قبل معركة القادسية , بعث سعد طلحة بن خويلد وعمرو بن معدي كرب الزبيدي في
غير قوة من خيل، كالطليعة في دورية استكشافية، فكان طليحة وحده مكلفًا بعسكر رستم، وكان عمرو في خمسة من أصحابه مكلفًا بعسكر جالينوس، وأمرهم أن يصيبوا له رجلاً منهم ليستخبره، فلما تجاوز طليحة وعمرو قنطرة القادسية لم يسيروا إلا فرسخًا وبعض فرسخٍ - حوالي سبعة كيلو مترات - حتى رأوا خيلاً عظيمةً، وقوات المجوس تتحرك بسلاحها قد
ملئوا الطفوف , قال بعضهم : ارجعوا إلى أميركم فإنه سرحكم، وهو
يرى أن القوم بالنجف، فأخبروه بالخبر، وقال بعضهم : ارجعوا، لا ينذر
بكم عدوكم , فقال عمرو : صدقتم، وقال طليحة : كذبتم، ما بُعثتم لتخبروا عن السرح، وما بعثتم إلا للخبر، قالوا: فما تريد ؟ قال : أريد أن أخاطر
القوم أو أهلك فقالوا : أنت رجل في نفسك غدر، ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن؛ فارجع بنا. فأبى، ثم فارقهم يريد معسكر رستم في مغامرة خطيرة (تاريخ الطبري) .
( و منذ فارق طليحة عمرًا و هو يعمل للدخول إلى قلب معسكر رستم
بمفرده ، مع العلم أن معسكر رستم يضم ثمانين ألف مقاتل ، و مثلهم
من الخدم و الحرس الخاص ، و لكنها شجاعة و جرأة بطل الأبطال
طليحة فقد مضى يعارض المياه المنبثقة من الأنهار حتى دخل عسكر
رستم، دخله في ليلة مقمرة ، و بات ليلة يتخبر ، و كان يحب الخيل
كعاشق للفروسية فرأى فرسًا لم ير مثلها في خيل رستم ، و رأى
فسطاطًا أبيض لم ير مثله، فامتشق حسامه (سيفه) فقطع به مقود
ذلك الفرس ثم ربطه إلى مقود فرسه ، ثم مشى بفرسه وخرج يعدو
به، وأحس الفرس بما حدث فتنادوا ، و ركبوا الصعبة والذلول ،
و تعجل بعضهم فلم يسرج فرسه ، و خرجوا يجدون في أثره .
ولحقه فارس منهم مع الصباح ، فلما أدركه صوب إليه رمحه
ليطعنه عدل طليحة فرسه ومال به عن تصويب الفارسي، فانصب
الفارسي بين يديه وصار أمامه، فكر عليه طليحة وطعنه برمحه
فقصم ظهره ، و انطلق يعدو بفرسه، فلحق به أعجمي آخر ففعل به
مثل ما فعل بالأول وانطلق يعدو، فلحق به ثالث وقد رأى مصرع صاحبيه، وهما ابن عمه فازداد حنقًا، فلما لحق بطليحة وبوأ له الرمح ليطعنه
عدل طليحة فرسه فانصب المجوسي أمامه ، وكر عليه طليحة وقد
شرع رمحه ودعاه إلى الأسر ، و أدرك المجوسي أنه مقتول فاستسلم ،
و كانا قد اقتربا من معسكر المسلمين، فأمره طليحة أن يركض بين يديه، وهو يسوقه من خلفه برمحه ، و هو على فرسه فامتثل للأمر. وأقبل جمع آخر من العجم يجدون في آثارهما فرأوا فارسيهم وقد قتلا، و شاهدوا
الثالث يركض مستسلمًا أمام طليحة، وقد أوشكا على دخول معسكر المسلمين فأحجموا ونكصوا، ثم عادوا من حيث أتوا . وجاء طليحة
على فرسه يسحب وراءه الفرس التي غنم ، وأسيره يعدو بين يديه،
ودخل عسكر المسلمين ففزعوا منه ، ثم أجازوه حين عرفوه، فدخل
على سعد. قال له سعد : ويحك، ما وراءك؟ قال طليحة: دخلت عسكرهم وجستها منذ الليلة، وقد أخذت أفضلهم توسمًا، وما أدري : أصبت
أم أخطأت، وها هو ذا فاستخبره ) .
لم أر ولم أسمع بمثل هذا :
واستدعى - سعد بن أبي وقاص - المترجم ليقوم بالترجمة بين الاثنين،
فقال الأسير الفارسي : أتؤمنني على دمي إن صدقتك؟
قال سعد : نعم، الصدق في الحرب أحب إلينا من الكذب , قال الأسير الفارسي : أخبركم
عن صاحبكم هذا -يعني طليحة- قبل أن أخبركم عمن قبلي , باشرت
الحروب وغشيتها وسمعت بالأبطال ولقيتها ومنذ أنا غلام إلى أن
بلغت ما ترى ، ولم أر ولم أسمع بمثل هذا أن رجلاً قطع عسكرين
لا يجترئ عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفًا، يخدم الرجل
منهم الخمسة و العشرة ، إلى ما هو دون ، فلم يرض أن يخرج
كما دخل حتى سلب فارس الجند ، و هتك أطناب بيته ، فأنذره
فأنذرنا به ، فطلبناه فأدركه الأول و هو فارس الناس ، يعدل ألف
فارس فقتله ، فأدركه الثاني و هو نظيره فقتله ، ثم أدركته و أظن
أنني خلفت بعدي من يعدلني ، وأنا الثائر بالقتيلين وهما أبناء عمي ،
فرأيت الموت فاستأسرت ، ثم أخبر سعدًا عن أهل فارس بأن الجند
عشرون ومائة ألف ٍ، وأن الأتباع مثلهم خدام لهم ؛ و رغب
الأعجمي في الإسلام فأسلم بمحض إرادته ، فسماه سعد مسلمًا ،
فكان يوم القادسية وغيرها من أهل البلاء ، فقد استفاد منه المسلمون لخبرته بأرض فارس ؛
و لأنه فارسي يعدل بألف (القادسية لبشاميل) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق