الواسطة في اللغة :
مشتقة من الفعل ( و س ط )
والوسط من كل شيء أعدله،
ومنه قوله
تعالى :
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
}
الواسطة في الاصطلاح
الشرعي:
تُعَرَّف الواسطة بأنها طلب العون والمساعدة من شخص
ذي نفوذٍ وحظوةٍ
لدى من بيده القرار لتحقيق مصلحة معينة لشخصٍ لا
يستطيع تحقيقها بمفرده
المحسوبية في اللغة:
حسبه؛ أي: عدَّه، وبابه نَصَرَ، وكتب حسابًا
وحُسبانًا، والمعدود محسوب،
والحسَب: ما يعُدُّهُ الإنسان من مفاخر
آبائه.
في الاصطلاح:
هي اعتبار القرابة العائلية أو السياسية أو المذهبية
في تحقيق مصلحة ما؛
كإسناد الوظائف أو الترقيات أو غيرها،
وجعل الحسب أو النسب في المقام
الأول.
الفرق بين الواسطة
والمحسوبية.
يجد المدقق أن مفهوم الواسطة يختلف عن مفهوم
المحسوبية،
وإن كان كل من الواسطة والمحسوبية لا يوجد إلا بوجود
سلطة أو نفوذ،
ويهدف إلى تحقيق نفس
الهدف.
أطراف الواسطة: للواسطة ثلاثة أطراف،
هي:
أ- طالب التوسُّط أو المتوسَّط
له.
ب- المتوسِّط.
جـ- المتوسَّط لديه.
موقف الإسلام من
الواسطة:
أوجب الإسلام نفع الناس والسعي في حاجة الآخرين
وقضائها،
بل جعل نفعهم من أحب الأعمال إلى الله تعالى،
فقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم
-:
( أي الناس أحب إلى الله يا رسول الله؟
فقال: أحب الناس إلى الله أنفعُهم للناس،
وأحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرور تدخله على
مسلم؛
تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه
جوعًا..)
ومن هذا النفع المحمود والمطلوب التوسُّط لدى الناس
لقضاء حوائج الآخرين، هذه الواسطة أسماها القرآن
الكريم الشفاعة
وذلك
في قوله تعالى -:
{ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ
نَصِيبٌ مِنْهَا }
فالشفاعة هي الواسطة، وقد قسمها القرآن الكريم إلى
قسمين، حسنة وسيئة،
أما الشفاعة الحسنة فهي كل شفاعة لرفع الظلم، أو لإيصال الحق لصاحبه،
أو العفو عما رغَّب الإسلام فيه بالعفو، أو الإحسان
في كل ما رغَّب الإسلام فيه
بالإحسان، أو الإصلاح بين متخاصمين، أو نحو ذلك،
وهذا له صور وأشكال كثيرة جدًّا؛ كالشفاعة في الدَّين
والزواج وفي حقوق الآخرين، كما أن لها شروطًا،
هي:
أن يكون ذلك ابتغاء مرضاة الله - عز وجل، وألا تكون
الشفاعة
والواسطة على حساب الآخرين.
وأن تشفع لمن تعلم أحقيته بذلك الأمر، وأن تكون
ناصحًا له،
وألا تكون الشفاعة فقط لصاحب جاه أو مال أو القريب.
بل يجب أن يحظى الفقير والمنقطع والمحتاج بها،
وألا يتبع الإنسان شفاعته ومعروفه بالمن والأذى،
وألا يغضب الشافع ويُعَنِّف ويَتَّهِم إذا لم تقبل
شفاعته.
أما الشفاعة السيئة فهي التي يترتب عليها ضرر أو ظلم
أو هضم لحق إنسان - أيًّا كان - وإعطاء هذا الحق لغير
مُستحِقه
قال
تعالى :
{ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ
كِفْلٌ مِنْهَا }
وهي محرمة شرعًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم
:
( لا ضرر ولا ضرار )
وفي قصة المخزومية التي سرقت خير دليل على
تحريمها؛
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأسامة:
( أتشفع في حد من حدود الله؟ وايم الله،
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
)
وهذه أيضًا لها صور وأشكال متنوعة كثيرة، كالشفاعة في
الحدود،
أو ما يترتب عليها ضرر للآخرين، أو التي تؤدي
إلى جر الأبرياء
إلى مقام الحكم، لتولية القريب، مع علمه أن غيره أحق
منه.
إن مما يؤسف له أن الكثير من الناس قد عدلوا عن
الواسطة
أو
الشفاعة الحسنة إلى السيئة، فأصبحت كلمة واسطة في المجتمع
تعني الظلم والجَور، وأَخْذ حقوق الآخرين،
وقد انتشرت في مجتمعاتنا حتى أصبحت من المظاهر التي
نراها في كل مكان،
وثقافة تربى عليها أجيال
منا.
وقد انتشرت هذه الواسطة السيئة لعدة أسباب تتمحور حول
محورين هما:
1 - ضعف الوازع الديني في المجتمع،
2 - وضعف القوانين والأنظمة،
ولكل منها مظاهرها وأمور تترتب
عليها؛
فضعف الوازع الديني والتقوى يؤدي إلى الجور والظلم،
وإلى تقصير الموظفين في عملهم المنوط به، والتفاخر
والتكبر على الناس،
مما يدفع المواطن إلى اللجوء إلى الواسطات لحل
مشاكله.
أما ضعف القوانين والأنظمة، فإنه سهل لبعض
الناس اختراقه وتجاوزه.
لهذا فإنه ينبغي وضع قوانين قوية وصريحة للثواب
والعقاب.
ومراقبة تطبيق هذه القوانين ومتابعتها بشكل دقيق
وحازم
دون تفريق بين مواطن
ومسؤول.
فالعدل هو الأساس، فلا محاباة عند القانون،
كذلك تعيين من يُطبقون هذه القوانين ممن شُهد لهم
بالدين
والخوف من الله ربهم الذي يدفعهم دفعًا نحو النزاهة
والصلاح والعدل،
فإنه سيغضب لله، لا لنفسه؛ لذا فإنه لن يُعاقِب إلا
على ما لا يُرضي الله،
وبخوف من الله، كما أنهم لن يقبلوا أن يعصوا الله
تعالى في واسطة
أو شفاعة سيئة محرمة،
فإن أمام عينيه مكتوبًا كلام ربه تبارك وتعالى
:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ }
كما أنه ينبغي معاقبة كل من يثبت تجاوزه للقانون
الإلهي،
أو الذي وضعه ثقات من أهل الدين والصلاح والاختصاص،
وكذلك العدل وتطبيقه على كل من يُخالف، أيًّا كان،
ثم إن مراقبة الموظف لرئيسه أيضًا مسؤولية
عليه.
حتى لا يبقى أحد يتجاوز القوانين
ويخترقها.
ثم إن مراقبة الموظفين والعمال ليس الهدف منها معاقبة
العمال
أو الموظفين وذلهم والتجسس عليهم.
بل تصحيح الأخطاء التي يقعون فيها، كونهم بشرًا،
سواء كان الخطأ مقصودًا أو غير
مقصود.
ينبغي للمسؤولين في الدولة أن يوظفوا الرجل المناسب
الكفء في المكان
المناسب، هذه القاعدة التي سار عليها النبي صلى الله
عليه وسلم وخلفاؤه
من بعده، حتى نستطيع أن نحصل على الآثار الإيجابية
للشفاعة
أو الواسطة الحسنة، فإن لها آثارًا إيجابية كبيرة على
جميع المستويات،
الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية
وغيرها.
كما أن للواسطة السيئة آثارًا سلبية تؤثر على الفرد
والمجتمع وتدفعه
نحو الفشل والانحدار والتخلف، فإن من زاغ عن شرع
الله،
وعن أمر الله فإن عاقبته وخيمة، في الدنيا والآخرة.
ومن خان الله تعالى وخان رسوله صلى الله عليه وسلم
وخان المؤمنين.
فإنه بلا شك سيكون في طريقه نحو الدمار والهلاك
والفساد.
لهذا فإن للواسطة والمحسوبة السيئة وهي معصية لله
تعالى.
وثبت في الحديث أنها خيانة لله وللرسول
وللمؤمنين آثارًا سلبية عديدة
مدمرة للفرد والمجتمع.
وعلى جميع الأصعدة، وفي كل الاتجاهات، وهي
تتمحور حول محورين.
الأول: الخلل في النظام المالي
والثاني: انتشار بعض المعاملات المحرمة؛ كالرشوة
والاحتكار.
لهذا كله، يوصَى بـ:
أولاً: على المستوى الديني، بزيادة التوعية الدينية في
المجتمع كله،
وتعريفهم بعظمة ربهم جل جلاله، حتى يقدروا له قدره،
فإذا قدروا له قدره أطاعوه وامتثلوا أمره، فإذا فعلوا
ذلك،
فإنه - جل جلاله - سيعصمهم من الوقوع في المعاصي التي
منها
الواسطات والشفاعات السيئة والمحسوبيات والرشاوى،
وقد وصف الله تعالى من لم يُطيعوا أمره بقوله:
{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ
لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }
وهذه مسؤولية كل الأمة، الدولة والدعاة
والأفراد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق