السؤال
♦ الملخص:
رجل تزوَّج امرأة تعرضت للتحرش وهي صغيرة، وخدعها رجل
حين كَبرتْ بحجة أنه يُعالجها ويريد حل عقدتها!
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تزوجتُ من امرأة يبدو عليها الصلاح، ولكن بعد مدة من زواجنا وجدتُ
على هاتفها رسائل حب بينها وبين رجل، وعرفتُ أنها ذهبت إلى شقَّته،
فأثارني هذا الأمر جدًّا، حتى عزمتُ على تطليقها، لكنها طلبتْ مني
الاستماع إليها ومعرفة الأسباب التي دفعتها إلى ذلك ثم أُطلقها إن شئتُ!
أخبرتني زوجتي أنها تعتبر هذا الرجل مثل والدها، وهو في الأصل زميلٌ
لها في أنشطتها الاجتماعية، لكنه طبيبٌ، فلما رأى أنها مُنكسرة ومريضة
بسبب إيذاء نفسي تعرضتْ له في ماضي حياتها دخل إليها من هذا الباب.
عرفتُ أن والد زوجتي كان يتحرَّش بها، وكذلك كان يفعل أبناء عُمومتها كثيرًا،
فلما رأى هذا الرجل علامات الانكسار على زوجتي ذكَر لها أنه
ربما يكون بسبب ما تعرَّضت له، وبعدما كانت تصده عنها أخذت في
الانجذاب إليه، فجلس معها ليعالجها، وجعلها تتصالح مع المجتمع
وتحافظ على الصلاة!
ظلَّ هذا حاله معها لمدة عام، فأحسَّت نحوه بالأبوة المفقودة،
والحنان والأمان، ثم بدأ يُمسك يدها ويحتضنها بداعي الأبوة والبنوَّة فصدَّقَتْهُ.
قال لها: أخاف أن يراكِ أحد، فذهبتْ معه إلى شقته، ولَمَّا وجد عندها
عقدة من الرجال قال لها: لا بد أن تتعالجي، ولكي تتعالجي فلا بدَّ أن
تَقتربي مني أكثر حتى تنحلَّ هذه العقدة، وصار يفعل معها كل شيء إلا الإيلاج،
وعندما تقول له: إن ما نفعله حرام، يقول لها:
لا؛ لأن هذا علاج فقط، وأنا لا أفعل إلا علاجك!
وعندما خطبتها أخبرَتْهُ أنها ستُخبرني بهذه الأمور، لكنه قال لها:
لا تُخبريه؛ فإنه لن يفهم أن هذا علاج.
أخذ هذا الرجل يملأ فكر زوجتي بأن المرأة لا بد أن تُشبع نفسها،
وبدأ يبثُّ أفكاره فيها حتى تكون تابعة له حتى بعد الزواج،
وصار يراسلها بمثل: سأزورك، سأتعرف على زوجك حتى
أستطيع احتضانك حتى تشعري بالأمان!
زوجتي تقول: حدَثَ كل هذا وأنا لا أشك في كونه علاجًا وأبوَّة وبنوَّة،
وأنها لم تعِ خداعه إلا بعد قراءتي للرسائل ومناقشتها فيها،
وكأنها كانتْ في غيبوبة، فأعلمتها أنه كان يستغلها، وأنه كان ينتظر
حتى يمارسَ معها الزنا بعد الزواج، فاقتنعتْ زوجتي بكلامي،
وصلَّتْ ودعت عليه، وأرسلت إلى خطيبتِه وأعلمتها بما كان يفعله معها.
زوجتي تقول: إنها كانت منذ صِغَرها - بعد أن تحرش بها أبوها وأبناء
عمومتها - تحب إظهار جسدها، وتفعل مثل الراقصات أمام المرايا،
وكانت تشاهد الأفلام الإباحية، ولا تعرف لماذا تفعل ذلك رغم أنها
تصلي وتصوم! ودائمًا ما كانتْ تشعر أنها مكسورة، وأنها ذات وجهين!
لا أعرف ماذا أفعل معها؛ فأنا في حيرة شديدة؟!
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهمَّ أجرنا في مصيبتنا، وأخلف لنا خيرًا منها.
لا شكَّ أن ما ذكرتَه من أفعال زوجتك مع ذلك الطبيب من الأمور البدهيَّة
التي لا تحتاج إلى إقامة برهان على حرمتها، وهي من المنكرات التي
يتَساوى في علمها الذكر والأنثى، والصغير والكبير، بل والمسلم والكافر،
فيعلم قبحها بصريح العقل والبداهة، فالله تعالى فطر عباده على استقباح
المحرَّمات وتحسين الحسن، ومن ثم لا تقبل دعوى الجهل في مثل هذه الأمور،
وإنما يتصوَّر الجهل في الأمور الخفية، ولو قُبلت دعوى الجهل
في أفعال ذلك الرجل معها، فلماذا لم يشتبه عليها نفس الأمر في تحرُّش
والدها بها أو أبناء عمومتها والجميع سواء في الفعل والإثم؟
فلماذا علمت واحدًا وجهلت الآخر؟! والجميع حكمُه سواء ولا يشتبه
على أحد على كل حال!
إذا تقرر هذا فلا ريب في خطأ وحرمة ما فعلته زوجتك، وهو استدراج
من الشيطان لها، فأوقعها في حبائله ومصيدته،
ولكن ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون )؛
رواه الترمذي، وابن ماجه، وروى مسلم عن أبي هريرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( والذي نفسي بيده، لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يُذنبون،
فيستغفرون الله، فيغفر لهم ).
وما دامتْ زوجتك قد ندمتْ وتابت إلى الله تعالى، وهو عز وجل قد أخبر
أنه يقبل توبة التائب، فقال:
{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ }
[الشورى: 25]،
وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
( التائب مِن الذنب، كمَن لا ذنبَ له )،
فأعطِها فرصةً لتوبة نصوح تجبُّ ما قبلها.
ولا يَخفى عليك أن الإنسان قد تعتريه حالات من الضعف؛ دينيًّا،
أو خلُقيًّا، أو نفسيًّا، أو غير ذلك في بعض الأوقات؛ مما يترتَّب عليه
أن تصدر منه بعض التصرفات المحرَّمة، والتي ليست سجيةً له،
والظاهر أن هذا ما حدث مع زوجتك، ولا يعني وقوع الإنسان في
معصية أنه أصبح ساقطًا مطرودًا من رحمة الله ورحمة الخلق؛
فمَن منا ليست له هنات وأخطاء؟ ولولا ستر الله الجميل لفضحنا جميعًا؛
فالفارق بيننا أن هناك مَن يُكشف ستره لحِكَم جليلة لله تعالى،
وهناك من يَستُر الله عليه لحكم - أيضًا - يعلمها الله جل جلاله،
فإذا تمادى فضَحه الله، أو قد يستره في الدنيا ليُعاقبه
العقاب الأليم يوم القيامة.
وعليك أن تتأكد أنت من توبتِها، ولا بأس من الإبقاء عليها؛
إن تيقَّنت من هذا؛ فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
وذكِّرها بالله واليوم الآخر والتوبة إلى الله مما فعلَتْ، فإن تابتْ وأنابتْ
فذلك، ويتأكد الإمساك بها إن كنت تعلَمُ عنها العفة والطَّهارة،
وإنما وقع منها هذا الفعل هفوةً وزلةً وخطأً ثم تابت منه، وندمت
على فعله.
ونسأل الله أن يسترنا جميعًا في الدنيا والآخرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق